البحث عن قصة

البحث عن قصة

28 فبراير 2019
+ الخط -
- طريف جداً أن تحمل القلم وتحدّق في صفحة الورقة الفارعة وأنت تبحث عن قصة!
- عن ماذا؟
- عن قصة
- أظنه أمرا طريفا، وهل القصة أمر ضائع لكي تبحث عنه؟
دارت في ذهني هذه الأفكار هذا المساء، وأنا أتطلع إلى إب من نافذتي، فأجد ظلاما دامسا تتخلله أضواء باهتة أمام بعض البيوت، وهي ناتجة من مصابيح علقها أصحابها لتضيء للعابرين أمامها الألواح الشمسية التي تقوم بواجبها في ظل الغياب المستمر للكهرباء الوطنية.
كان الليل وهدوؤه مناسبا للبحث عن تلك القصة لم يزعجني إلا هدير الماطور الذي وضعه جاري على سطح بيته المقابل لنافذتي الشرقية بصوته الصارخ وكأنه طاحون قديم.
أعود، ألتفت إلى صفحة الورقة الفارغة والقلم في يدي ثم أحدّق في نقطة بعيدة في تلال إب، من خلال نافذتي وكأنني سأجلب الإلهام منها.
"في داخل كل واحد منا قصة"، عبارة سمعتها ذات يوم ضمن محاضرة ألقاها علينا، نحن شباب الثقافة، الدكتور عبد الحميد الحسامي أستاذ النقد والبلاغة في جامعة إب.
صحيح، بل القصة حولنا في كل مكان؛ فحياتنا نفسها قصة، وهذا الكون من بدايته إلى نهايته ما هو إلا قصة وهكذا. لكن لِمٓ لم أستطع أن التقط من هذه القصص الكثيرة واحدة وأسطّرها على الورقة؟
أوووف هذا الماطور اللعين ما يزال يواصل هديره. تطلعت إليه عبر النافذة، وأنا أركز على اهتزازه فوق الإطار الفارغ الذي وضع من تحته ليمتص الاهتزازات، ودار في بالي سؤال ساذج: وهذا الماطور هل له قصة؟
يجيبني عقلي: بل له قصص؛ قصة التفكير به على ضوء نظريات الفيزياء، وقصة صنعه وتطوره، وقصة البدء في استخدامه وانتشاره، وكذلك قصة استيراده وشرائه ووصوله إلى سطح جارك، وقصة ضجيجه وهديره وتحوله إلى طاحون قديم.
إذن، القصص حولنا من كل مكان، وكأنها موجات راديو أو قنوات فضائية وكتابة هذه القصص تحتاج إلى "جهاز" لاقط ومترجم يحولها إلى كلام مقروء، هذه هي وظيفة القاص الذي المفترض أكون أنا هو في هذه اللحظات.
الناس يكادون يمتلكون مهارة الحكي، لكن الكتابة الإبداعية هذه أمر آخر، إنها الموهبة وهذه المواهب تتنافس فيما بينها فتسطع مواهب وتخبو أخرى، ولا يبقى إلا الذين يظلون في القمة، كما يقول صديقي الدكتور عبدالله الشراعي، والقمة ضيقة لا تتسع الكل.
القمة ضيقة، أتطلع إلى صفحة الورقة الفارغة، وأشخبط عليها بالقلم: "القمة والصعود إلى القمة". ولكن كيف يمكن الصعود إلى القمة، وأنا هنا في إب، تلك الغارقة في سكونها الليلي الخافت الأضواء وصوت ماطور جاري يواصل الهدير.
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري