الاتحاد المغاربي فضاء الفرص الضائعة

الاتحاد المغاربي فضاء الفرص الضائعة

28 فبراير 2019
+ الخط -
بين فبراير/ شباط 1989 وفبراير/ شباط 2019 ثلاثون سنة، وهي مدة كافية لبناء دعائم أي كيان أو تكتل سياسي وترسيخها، وبلورة أي مشروع اقتصادي رائد وتجسيده على الأرض. وهذا هو العمر الحقيقي لمعاهدة مراكش، التي تأسس بموجبها اتحاد المغرب العربي، وجمع المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا. ونصت على حزمة من الأهداف، من قبيل تحقيق تقدم مجتمعات المنطقة المغاربية ورفاهيتها، والدفاع عن حقوقها، والمساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف، وانتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص، وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال في ما بينها.
وأشارت وثيقة المعاهدة إلى أن السياسة المشتركة في الميدان الدولي تسعى إلى تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء، وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها، يقوم على أساس الحوار وصيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء. كما أكدت المعاهدة على تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء، واتخاذ ما يلزم من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد. ودعت المعاهدة إلى إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على جميع مستوياته، والحفاظ على القيم الروحية والخلقية المستمدة من تعاليم الإسلام السمحة، وصيانة الهوية القومية العربية، واتخاذ ما يلزم من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، خصوصا بتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية، ومؤسسات متخصصة في البحث، تكون مشتركةً بين الدول الأعضاء.
وجاء أيضا في إعلان تأسيس اتحاد المغرب العربي، الموقع من قادة الدول الخمس، أن هذا المشروع يستمد شرعيته مما يجمع شعوب المنطقة، من وحدة الدين واللغة والتاريخ ووحدة الأماني والتطلعات والمصير. وأظهر الإعلان وعي القادة المؤسسين بأن تحقيق أماني شعوب المغرب العربي وتطلعاتها إلى الوحدة يستلزم تضافر الجهود وإقامة تعاون فعال بين دول المنظومة، وتكاملا مضطردا في مختلف المجالات، بتفاعلٍ مع ما يحدث من تحولات، وما يتم من ترابط وتكامل على الصعيد الدولي بصفة عامة، وما تواجهه دول المنطقة وشعوبها، من تحدّياتٍ في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بصفة خاصة. وهذا ما يتطلب مزيدا من التآزر والتضامن، وتكثيف الجهود من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، يوضح الإعلان.
ماذا بقي من معاهدة التأسيس وإعلانه؟ وماذا تحقق من إنجازات ومشاريع ملموسة؟ لا شيء، 
فكل القوى السياسية والمنظمات المدنية والنخب الثقافية والإعلامية في الدول الخمس تجمع على أن ما بقي من الاتحاد المغاربي هو تلك الصورة الجماعية للقادة المؤسسين في إحدى شرفات قصر بلدية مدينة مراكش (جنوب المغرب)، والتي جسّدت، وقتئذ، مشهداً من التلاحم والتعاضد والصفاء. وهكذا انتهى مشروع إنشاء تجمع إقليمي في شمال أفريقيا إلى مجرد ذكرى سنوية، يتبادل فيها القادة في أحسن الأحوال رسائل روتينية مليئة بالمجاملات. من قبيل تأكيدهم على تجديد الحرص، والعزم الرّاسخ على العمل في ما بينهم في سبيل الحفاظ على مكتسبات هذا الإنجاز التاريخي، والسعي الجادّ من أجل تطوير مؤسّساته وهياكله، وإعادة النّظر بعمق في منظومته التشريعية، ومنهجية عمله ضمن استراتيجية مغاربية منسجمة ومندمجة، من شأنها أن تجسّم هذا المشروع الحضاري الذي يمثّل الإطار الأنسب، لتمتين علاقات التعاون بين الأقطار الخمسة، وبلوغ أعلى المستويات من الأمن والاستقرار في هذا الفضاء الجهوي.
وما يثير الانتباه حاليا أن قادة الدول الخمس يعون تمام الوعي أن تحقيق وحدة المغرب الكبير بات أكثر من ضرورة، في وقتٍ يشهد العالم تنامي تجمّعاتٍ إقليمية ودولية، وتتعرّض المنطقة لتحدّياتٍ خطيرة وتوجد أمام رهانات كبيرة على جميع المستويات والأصعدة، ما يحتم على قادة الدول المغاربية التعاطي بجدية ومسؤولية مع مجمل هذه التحديات، في إطار تكتّل متماسك وموحّد.
ولكن يبدو أنه على الرغم من مرور كل هذه الأعوام على إنشاء الاتحاد، وانهيار جدار برلين، واندثار أنظمة، وتفكك الاتحاد السوفييتي سابقاً، واختفاء المعسكر الاشتراكي وظهور منظومات أيديولوجية جديدة، وقيم اقتصادية بديلة، بما في ذلك انبثاق تجمعات اقتصادية في آسيا وفي الأميركتين، فإن مكونات الاتحاد المغاربي لم تساير الركب، ولم تتفاعل مع إيقاع التحولات العميقة التي مسّت جزءاً كبيراً من دول العالم. وتبعاً لذلك، ظلت الاتفاقيات المبرمة حبراً على ورق، وانتعشت الخلافات بشكل غير مسبوق، خصوصاً بين المغرب والجزائر، بسبب موقف الأخيرة من قضية الصحراء، ومساندتها جبهة بوليساريو بشكل يستفز المغرب، ما عرقل أية مبادرة أو محاولة للخروج من حالة الجمود، وأصاب بالشلل فكرة قيام الاتحاد أصلا.
بالمنطق الاقتصادي وبلغة الأرقام، أوضحت دراسةٌ أنجزها مؤخرا البنك الدولي أن منطقة 
المغرب العربي تظل الأقل اندماجا على مستوى العالم، حيث تبلغ تجارتها البينية أقل من 5% من التجارة الكلية بين بلدان الاتحاد، وهي نسبة ضعيفة جدا، وأقل من المستوى المسجل في كل التكتلات التجارية الأخرى في العالم. وأظهرت الدراسة أنه، في حال لو تحقق الاندماج، وإلى حدود 2017، كان الناتج المحلي المشترك للبلدان المغاربية سيصل إلى أكثر من 360 مليار دولار، وأن نصيب الفرد الواحد من إجمالي الناتج المحلي الإقليمي في مختلف دول المنطقة كان من المتوقع أن يصل إلى أكثر من أربعة آلاف دولار، لو كان الاندماج حقيقة مجسدة.
تبلغ مساحة دول المغرب العربي حوالي 5.782.140 كلم2، وتشكل ما نسبته 42% من مساحة الوطن العربي منها أكثر من مائة ألف كلم2 صالحة للزراعة. ويبلغ طول الشريط الساحلي للاتحاد حوالي 6505 كلم، أي 28% من سواحل الوطن العربي. ويبلغ عدد سكان اتحاد المغرب العربي حوالي مائة مليون نسمة، أي ما نسبته 27% تقريبا من إجمالي سكان الوطن العربي، يعيش 78% من سكان الاتحاد في المغرب والجزائر. وكان من الممكن أن تجعل هذه المقدرات والمؤهلات والإمكانات من اتحاد المغرب العربي لو تحقق الاندماج والتكامل بين دوله الخمس، أول اقتصاد وأول قوة ديمغرافية وعسكرية في القارة الأفريقية، وكان سيكون لها تأثير قوي في الفضاء الأورو - متوسطي وعلاقات جنوب - جنوب والعالم.
ويبدو واضحا أن استمرار إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر أهدر فرصا كبيرة للتقدم والنمو الجماعي والاستثمار المشترك، وقد شكل الموقف الذي أعلن عنه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حدثا تاريخيا بكل المقاييس، فقد أوضح بكامل المسؤولية "أن المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر، من أجل تجاوز مختلف الخلافات الظرفية والموضوعية المعيقة لتطور العلاقات بين البلدين الشقيقين". كما اقترح "إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور تشكل إطارا عمليا للتعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، وهي آليةٌ ستمكّن من إيجاد الأجواء المناسبة، وبعث روح الثقة بين الطرفين للعمل، من دون شروط، وبعيدا عن أي استثناءاتٍ كيفما كان نوعها، وعلى بلورة منهجية 
مشتركة لدراسة جميع القضايا المطروحة، وخصوصا ما يتعلق بمحاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة والتصحر وتحقيق الأمن الغذائي والاستثمار في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية". ولكن سياسة اليد الممدودة من الجانب المغربي ظلت مجرّد صيحة في واد، حيث لم يتفاعل معها الحكم في الجزائر إيجابيا، بل تجاهلها بطريقة مأساوية وغير مفهومة، علما أن الحتمية التاريخية والجغرافية، والضرورة الاقتصادية، والتحدّيات والإكراهات الاجتماعية الضاغطة، والتداعيات الجيوسياسية جهويا وقاريا ودوليا، وصعود اليمين المتطرف وانتشار المد الشعبوي في أوروبا وغيرها، واستفحال الخطاب الهوياتي الراديكالي، وتفشي العنف والتطرّف الديني والإرهاب بشتى أنواعه، وتغول الليبرالية اقتصاديا، وهيمنة قيم استهلاكية متوحشة، وتأثير الثورة الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي على تمثلات المجتمعات، ودور هذه المنصّات في إعادة تشكيل الوعي الجماعي لدى جيل بأكمله، كلها تحديات وإكراهات تدفع قوى سياسية وتنظيمات مدنية ومعاهد دراسات عديدة إلى التفكير القلق في الوضع الجامد، واقتراح بدائل عملية، خصوصا وأن آخر قمة مغاربية تعود إلى سنة 1994.