آل سويف.. راية اليسار المرفوعة

آل سويف.. راية اليسار المرفوعة

28 فبراير 2019

ليلى سويف (يمين) ومصطفى سويف وأهداف سويف

+ الخط -
من يا تُرى، من الخمسينيات إلى أعوام أقلّ من أصابع اليد الواحدة، من علماء النفس في جامعة القاهرة، لم يمر على بيت الدكتور مصطفى سويف، أو معمله في الجامعة. كتّاب قصة ورواية وطلاّب ترجمة، والبيت واحة لكل الأجيال ستين سنة، خرج دكتور سويف من المعتقل إلى معمله، ولم يخرج منه، إلا أنه، على الجانب الآخر، زرع لمصر، من ذرّيته، بستانا من الأبطال والبطلات، كالدكتورة أهداف سويف صاحبة "خرائط الحب"، والمدافعة عن حق الإنسان الفلسطيني، والدكتورة ليلي سويف، ووقفاتها مع ثورة يناير، ومن أيامٍ قليلاتٍ تقود اعتصاما أمام بوابات السجن، اعتراضا شجاعا على عدم زيارة المساجين. لم تستطع أن تفعله كل أحزاب مصر ونُخبها، بعدما نامت واطمأنت جميعها في سرير عبد الفتاح السيسي ولجانه وجوائزه ومستشفياته المعقّمة ودساتيره المعدلة وغير المعدلة، وهي الصامدة، أم علاء عبد الفتاح وأختاه، منى سيف وسناء سيف، الذين تناوبوا على السجون من ثماني سنوات، حتى استقروا على علاء وحده، ودور والده الحقوقي والبطولي (أحمد سيف الإسلام) رحمه الله.
كيف نسي اليسار هذا كله؟ وتقبّل شاكرا من السيسي هديته المسمومة، عضوا معينا من حزب التجمع في برلمانه، وهو رئيس حزبه، وقد صرح من يومين بقبوله التام لكل التعديلات الدستورية جملة وتفصيلا بلا خجل.
هل انتهى اليسار إلى آل سويف وعايدة سيف الدولة ومحمد سيف الدولة ومريد البرغوثي، وابنه تميم بعد رحيل والدته (رضوى عاشور) صمتا وقهرا ومرضا، بعدما أدركت أن اليسار تم كسْره يوم أغلق رفعت السعيد أبواب حزب التجمع (ليلة 25 يناير)، وفي 30/6، يوم وقف اليسار، بكل صقوره وحمائمه، على يمين السيسي، بجوار خصمه الفكري (الحزب الناصري) كعريسين للزفّة؟، ثم توالت عمليات البيع والشراء تحت أنظار الجميع.
هل كانت مصادفة أن يتم نقل اليساري حسين عبد الرازق، رحمه الله، إلى مستشفى المعادي للقوات المسلحة، ومن قبله فريدة النقاش، أطال الله عمرها، أو الأمر المباشر بنقل الراحل صلاح عيسى فورا إلى مستشفى المعادي للقوات المسلحة في ساعات، لولا أن وافته المنية قبلها بدقائق؟ وهل مصادفة أيضا أن تصرح السيدة حرم صلاح عيسى (أمينة النقاش) لصحيفة أخبار الأدب المصرية من أيام، بأن صلاح، رحمه الله، تابع كل جلسات إعادة محاكمات حسني مبارك، وبكى تأثرا في أعقاب النطق ببراءته، ثم أكملت قائلةً إنه قال، عليه الرحمة، "إن مبارك وطني بلا شك"، فعلى ماذا كان صلاح وحزب التجمع يناضل في صحيفة الأهالي عشرين سنة؟ عن نفسي لا أعرف، ولا أريد أن أعرف.
هل نحن أمام انحدارٍ مؤقت لفصيل وطني كافح طويلا من أجل الفقراء، أم نحن أمام فصيلٍ يقدّم أوراق اعتماده للسلطة تماما ماسحا كل الماضي بجرّة قلم؟ بعدما ازدهرت حقول أخرى مربحة للكلام، أقل خطورة من مواجهة سلطةٍ لا تجد سبيلا إلى الحوار إلا بالرصاصة أو حبل المشنقة؟ هل نحن أمام علّةٍ مؤقتةٍ أم سوق جديد يطاول، بأمراضه، بقية الصفوف التي توارت في عزلتها أو في صمتها أو الهجرة أو السعي إلى جوائز رجال الأعمال لأخذ نصيبهم القديم من أطباق ثريد الأغنياء، بعدما كانوا من أشد الأعداء لهم؟ هل كسب اليسار الجولة بعدما تأكد أن عدوه الجماهيري في الشارع (الإسلام السياسي، وعلى الرأس منه الإخوان المسلمون) قد باتوا في السجون، وتربّع الجنرال برصاصاته على الدبابة، فأحسّوا أن السلطة ألذُّ كثيرا من النضال، ولاذ بعضُهم بالعبث والضياع، أو بالصمت ندما على مشهدٍ صنعوه، واشتركوا فيه بأدوار خطيرة؟
ما هذا الصمود المدهش لهذه الأسرة؟ وما سِرُّه في هذه الأسرة الفريدة، أسرة الدكتور مصطفى سويف. هل هو البناء النفسي التلقائي للمصري، بلا واسطة ولا أيديولوجيا ولا منفعة؟ أم شيءٌ آخر أكثر غموضا على فهمي ومداركي. شيءٌ محير بالطبع، أعرف نظيره في بسطاء الشعب المصري، حتى من غير المتدينين أو المسيّسين، ولكنه لا يرى، لأنه ببساطةٍ لا يتم رصده في قاعات الدرس والبحث للأسف الشديد.
هل تأخر البحث كثيرا في الوصول إلى هذا البناء الحر لتلك الشخصية المصرية التي لا تقبل الظلم، ولا تستسيغه، خلافا لجموعٍ كثيرة، للأسف الشديد، تجري أمام العصا، وترقص إن دقّ لها الدفّ؟