هل تشعل انتفاضة الخرطوم ثورة القاهرة؟

هل تشعل انتفاضة الخرطوم ثورة القاهرة؟

26 فبراير 2019
+ الخط -
مضى قرابة شهرين على الحراك الذي تشهده الخرطوم وبقية المدن السودانية، والذي تطوّر من مجرد احتجاج على سياسات الحكومة إلى مطالبةٍ بتغيير جذري في المشهد السوداني، من خلال المطالبة برحيل النظام والرئيس عمر البشير. واللافت في هذا الحراك الآخذ بالاتساع والتطوّر أنه لم يتوقف حتى الساعة، وأنه استمر، على الرغم من المشهد المرعب الذي سيطر على دول ما عُرف بـ "الربيع العربي"، بفعل سياسات الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، ودعم محاور إقليمية ودولية لتلك السياسيات، حتى لا يتمكّن الشعب العربي من الإمساك بناصية قراره. على الرغم من ذاك المشهد المرعب والمخيف، وعلى الرغم من الحدّة البارزة التي تعاملت بها السلطة في السودان معه، فقد حافظ الحراك على استمراره وتوسّعه وانتشاره، وإن كان الأفق، حتى الآن، غير واضح لناحية المستقبل الذي ينتظر السودان في ظل استمرار هذا الحراك، وفي ظل السياسات التي تتبعها، حتى الساعة، السلطة الحاكمة، إلاّ أن ما يمكن قوله إن السلطة الحاكمة بدأت تقدّم بعض التنازلات، ومنها مسألة إقالة الحكومة المركزية وحكومات الولايات والولاة، وهو مؤشّر على إحراز هذا الحراك نوعاً من الإنجاز الذي يمكن أن يتمّ المراكمة عليه، وصولاً إلى تحقيق إنجاز حقيقي يعيد إلى الثورات الشعبية اعتبارها وأهميتها. 
وليس بعيداً عن الخرطوم، في القاهرة، نفذت السلطة أحكام إعدام بحق شبّان مصريين على خلفية معارضتهم السلطة، وبتهمة المشاركة في أعمال مخلّة بالأمن والاستقرار العام للمجتمع،
مع أن الجميع، في الداخل والخارج، بات يدرك أن تنفيذ هذه الأحكام يأتي في سياق محاولات إرهاب الشعب المصري، والاستمرار في إخافته حتى لا يأخذ المبادرة مجددا، ويشعل ثورة شعبية جديدة في وجه السلطة الحاكمة.
ومن المفيد التذكير هنا بأن السلطة القائمة حالياً في مصر إنما جاءت بانقلاب عسكري على الخيار الديمقراطي، وعلى ثورة 25 يناير، وإن كان الإخراج لهذا الانقلاب أظهره على شاكلة تصحيحٍ لمسار الثورة الحقيقية، ولكن الشعب المصري اكتشف، منذ اللحظة الأولى، أن المسألة ليست تصحيحاً، إنما انقلاب وتكريس لحكمٍ لا يمتّ إلى الحرية والديمقراطية بصلة. ومن المفيد
أيضاً التذكير بأن الحراك في المدن المصرية لم يتوقف منذ لحظة الانقلاب، وهو يأخذ، في كل مرحلة، شكلاً من التعبير، وقد رأينا، في المرحلة الأخيرة، تطوّراً في مشهد هذا الحراك من خلال انضمام شرائح جديدة إليه، بعضها من الذين كانوا يؤيدون الانقلاب ذاته، ومن خلال نوعية التحرّكات التي باتت تحصل.
ومن المفيد التذكير أيضاً أن مصر والسودان ينتميان إلى بلاد وادي النيل، وشعباهما يشربان من ماء واحد. ولطالما كان يُنظر إلى البلدين أنهما بلد واحد. وبالتالي فإن الحراك الذي يحصل في الخرطوم يتم سماع صداه في القاهرة، والعكس صحيح، وأن المياه التي تروي السودانيين هي ذاتها التي تروي المصريين، والدماء التي تجري في عروق السودانيين هي ذاتها تجري في عروق المصريين، وبالتالي ستتأثر القاهرة بما يجري في الخرطوم، وشرارة الانتفاضة التي اشتعلت في الخرطوم ستنتقل، عاجلاً أم آجلاً، إلى القاهرة، وستشعل ثورة جديدة في مصر في ظل الأوضاع الصعبة والمعقدة التي تعيشها مصر، في ظل هذه السلطة التي آلت على نفسها أن تحكم بالحديد والنار.
السلطة في مصر الآن خائفة من اشتعال هذه الثورة في ظل عودة الاعتبار للحراك الشعبي في الخرطوم، وسياسة الإعدامات في القاهرة تأتي خطةً استباقيةً لمنع أي حراكٍ في المدن المصرية، ولكن غضب المصريين الذي بدا في تشييع المقتولين بالإعدامات يؤكد أن انتقال شرارة الثورة إلى مصر مجدّداً لم يعد بعيداً.