النَّجاحُ والمَقاييسُ المُضَلّلَةُ

النَّجاحُ والمَقاييسُ المُضَلّلَةُ

24 فبراير 2019
+ الخط -
قلت ليوسف: ما بالنا نقزّم النجاح ونضيق على المتعلمين أفق الفلاح؟ أجاب: آن الأوان أن نوسع من مجالات إبراز القدرات ودرجة اكتساب الكفايات، فالنجاح عندنا محصور في احتلال الدرجات بأجوبة الامتحانات، والمدرسة ميدان للتباري، فمن أفلح فيه استحق التهاني وعكسه يوصف بالتدني، فالكسول كسول لأنه لم يحصل على معدل مقبول، والمجد مجد لأنه تمكن من بلوغ مستوى التفوق المرسوم.
فيا أيتها الأمهات، أيها الآباء، أيها المدرسون الأجلاء، اتقوا الله في البنات والأبناء، ولا تهنوهم لأنهم لم يحصلوا على المعدل المطلوب، تذكروا أن الحياة مجالات، فذا غالب في هذا المجال وذاك مغلوب، وهذا ماهر في القراءة، وذاك في الصيانة، ولكل ميدان بطل .
من أبنائنا مجيد الحوار والجدال في صغائر الأمور وكبائرها، ومنهم من له كفاءة التشخيص والتمحيص. ومن أبنائنا البارع في الإصغاء والرد والإقناع، من أبناء مسرحيون يمررون الدروس والعظات بمهارة الممثلين المؤثرين، وكأنهم أساتذة حاذقون، وآباء مربُّون. ومن أبائنا رياضيون وموسقيون، ومنهم ومنهم... ألا يستحق هؤلاء أن يلقبوا بالمجدين الحاذقين المهرة المبدعين، أم أن دائرة النجاح ضيقة، لا يدخل تحت سقفها سوى الحاصلين على المعدلات المشرفة في المواد الدراسية، أم أننا قصرنا الحذق والتفوق على ما نجود به عليهم من دروس؟!
لقد آن الأوان إنصاف المتفوقين في كل الميادين، فالتعليم والتعلم مجاله أوسع مما نعتقد، فمن تلاميذنا البارع في ميادين، لو اُختُبِرْنا فيها، نحن المدرسين والمربين، لكان نصيبنا منها أدنى الرتب، أفنستحق بذلك أن نوسم بالكسلاء على من نصفهم بالجهلاء الأغبياء.
على كل مدرس ومربٍّ أن يشجع في المتعلمين مواهبهم ومجالات تفوقهم، لنكون عادلين نعطي لكل ذي حق حقه، ولنؤمن بأن باحة النجاح تسع التنوع والاختلاف في الكفاءات والمهارات. ومن هنا فليس من حق أحد أن يُقصِّر النجاح في دائرة ضيقة تجعله عاجزا عن التنفيس على المعتقدين بكونهم أدنى من غيرهم، فمتى نعترف بعطاءاتهم عاملين على تطويرها وصقلها وتشجيعها من أجل بناء مجتمع متنوع الكفاءات والأعمال والمهارات بعيدا عن الأحقاد وسوء الاعتقاد.
قلت ليوسف: أوافقك الرأي، فمن ظنّ أن النجاح مقتصر على الدراسة فهو واهم يحتاج إلى مزيد من الفهم والدراية، فالناجحون ناجحون إن في الفصل والمختبر، أو في المعمل والمتجر، أو في الملعب والمكتب...
قال: أوضحت وصدقت.
نهضنا وغادرنا المكان ونحن عازمان على كتابة مقالات وإنجاز دراسات حول معيار نجاح المتعلمين في الفصل والدرس وخارج الدرس والفصل.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني