العرب وفنزويلا.. المغرب مثلاً

العرب وفنزويلا.. المغرب مثلاً

23 فبراير 2019
+ الخط -
واضحٌ أن المزاج العربي الشعبي ينتصر، بشأن الأزمة الحادثة في فنزويلا، للرئيس نيكولاس مادورو، ويتمنّى هزيمة خصمه رئيس البرلمان الذي أعلن نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، خوان غوايدو. ولافتٌ أن هناك اهتماما لدى قطاعاتٍ عريضةٍ في الشارع العربي بالحدث الفنزويلي، ويحدُث أن ناشطين وإعلاميين ومثقفين يتقاطرون إلى سفارات فنزويلا، إسنادا منهم للرئيس مادورو. ولا يحتاج الأمر إلى حصافةٍ لتفسير أسباب هذا الحال، فيكفي أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعمل على إسقاط مادورو، بكل صلفٍ وفظاظة، لنصطف مع الرجل، وهو الذي يساند الحق الفلسطيني، وتُخاصِمُه إسرائيل، فيما ترحّب هذه بغوايدو، وتعترف به "رئيسا شرعيا"، وتنقل عنه صحيفةٌ إسرائيليةٌ استعداده لإقامة علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال. لا يعنينا، نحن الشعوب العربية، ما يراه الفنزويليون أنفسُهم في شؤون بلدِهم، ولا خياراتُهم في ما يتعلق بمن يحكُمهم. وهذه بعض الصحافة العربية، يتجنّد فيها معلقون من أجل شيطنة غوايدو وتلميع مادورو، صدورا عن إسناد الأخير بشار الأسد. وفي الأثناء، يحدُثُ أن يحيط كتّاب عارفون قرّاءهم بأحوال فنزويلا، من جوانبها كافة، سيما الأوضاع المعيشية الراهنة لشعبها، ومقادير القمع والتضييق على الحريات فيها، تحت حكم النقابي السابق مادورو. ومن هنا، ليس أمرا سهلا أن يُفتي أيٌّ منا في شؤون هذا البلاد باستسهال، فيُجيز لنفسه منح الصدقية إلى غوايدو أو غريمه.
على المستوى الرسمي، وتبعا للمُتعارف عليها من مسلمّات بروتوكولية، لم تُشهر الحكومات العربية (باستثناء المغربية) مواقف ظاهرة، واعتصمت غالبيّتُها بالتسليم الصامت بشرعية مادورو، وكان لافتا أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، جهر، في كلمته أمام القمة الأفريقية في أديس أبابا، أخيرا، برفض أي تدخلٍ أميركيٍّ في شؤون أي دولة، منوّها بالاسم إلى فنزويلا. وعلى غير هذا الحال، جاء موقف الرباط مغايرا، إذ أعلنت اعترافها بخوان غوايدو رئيسا مؤقتا، كما الولايات المتحدة ودول أوروبية غير قليلة. وبعد أن كانت الأخبار قد جاءت على مكالمةٍ هاتفيةٍ أجراها، قبل أيام، وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، مع غوايدو، أفيد بأن لقاءً جرى، الثلاثاء الماضي، بين ممثلين عن الأخير ودبلوماسيين مغاربة في عاصمة البيرو. وليس خافيا أن هذه "الجرأة" المغربية، في الخروج عن أعرافٍ ذائعة، تعود إلى الإسناد السياسي (والعسكري ربما) الذي ظلت تزجيه فنزويلا، تحت رئاستي مادورو وسلفه هوغو شافيز، لجبهة البوليساريو، واعترافها بما تُسمّى الجمهورية الصحراوية. والبادي أن حماس المغرب لغوايدو يعود إلى أنه قد يعمل على تغيير هذا الحال، أو أقلّه سيؤيد مساعي الأمم المتحدة في سبيل إنهاء أزمة الصحراء. ومن المهم أن يُعرف أن الشارع المغربي لا يقيم على إعجابٍ خاصٍّ بشافيز أو مادورو، ولا بما يُخلع عليهما من "ثوريةٍ"، ما داما في موقفٍ عدوانيٍّ تجاه الوحدة الترابية للمغرب.
الجوهري، في حالنا نحن العرب، في مسألة فنزويلا، أنه كما حالنا في اصطفافاتنا في منافسات كرة القدم مع الدول التي تناصر قضايانا، سيما فلسطين، وإنْ صارت قضايا أخرى، السورية غالبا، من المؤثّرات التي لها دورُها في تعيين أمزجتنا تجاه هذا الفريق أو ذاك. ولا يرتكب المغاربة أمرا شاذّا عندما يتواصل المستوى السياسي فيهم مع غوايدو، وربما ينشط في تسويق هذا الرجل في أفريقيا، فلا تسامحَ أو تهاون في مسألة الصحراء. ولا صلة، طبعا، لهذا الأمر في كل الأحوال، مع تقدير الشعب المغربي الثابت أي موقفٍ من أي جهةٍ أو دولةٍ تساند عدالة قضية الشعب الفلسطيني. أما إذا انصرف واحدُنا إلى جلاء مشهد فنزويلا الداخلي، وحاول الوقوف على تفاصيله، وحدّق فقط في أحوال شعب هذا البلد الصديق، فإنه على الأرجح لن يمحض سلطة نيكولاس مادورو ثناءً، بسبب إخفاقاتها المتتابعة في ملفاتٍ معيشيةٍ واقتصاديةٍ وتنموية، من دون إغفال موروث هوغو شافيز في تنزيل قيم العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والحد من البطالة، وغير ذلك من رهاناتٍ نجح فيها، إلى حدّ محمود، الرئيس الراحل في ولايتيه الأوّليَين (1999- 2006)، قبل أن تبدأ الأحوال بالتراجع، ثم تستمر في تراجعٍ أكثر حدّة وصل إلى تخوم الانهيار الاقتصادي.. أما عن غوايدو فقصته، الأميركية السافرة، والداخلية المُربكة، مختلفة.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.