زاهر السالمي والفرح بالشعر

زاهر السالمي والفرح بالشعر

21 فبراير 2019
+ الخط -
يكتب زاهر السالمي الشعر ويعيشه حياة، من دون أن يفصل ما بين الاثنين، كسرا لكآبة الوحشة، وتوحّدا بالفرح في أي أرض، يرتحل مرغما لنزع الكآبة والوحشة ويعود، ولا مستقرّ، ولا طمأنينة. يرحل من دون أن يحمل حقيبة، فحقائبه مع ضحكات الناس ونوادرهم وحكاياتهم.
عُماني مجهز للسفر، حينما يعتدل البحر، وتلين الرياح، كمعظم العُمانيين الذين يولدون وفي قلوبهم ذلك الشغف الحميم للهند أو زنجبار. وجهٌ يألفك بسرعة وتألفه، ولا يحتمي سوى بالمودّة والابتسام. لم تفلح وحشة جبال عُمان في الوصول إلى روحه، وظل هو الهائم ما بين كتابة الشعر وترجمته كتاب "شهي خسارة كل شيء"، عن الأحزان الأخيرة للشاعر الأميركي الكبير، دونالد هول، عن "كتاب نزوى"، أو ترجمته كتاب "القوانين الجوهرية للغباء البشري" لكارلو م. سيبولا، عن "كتاب نزوى" أيضا وكتاب ثالث عن الموسيقى الشغوف بها، وإن كان لا يزال يعمل في الصيدلية مصدر رزقه ومعاشه الوحيد، أو الترحال كل آن، إن راقت له الريح، وزغردت الصواري.
يضحك كي يكسر وحشة روحه، ويرحل كي يهرب من الواجب الثقيل الذي تفرضه جبالٌ ثقالٌ، كعادات وتقاليد ووظيفة تلزمه الحضور والانصراف. .. يهرب إلى الموسيقي، أو إلى الضحك، نافذته الإنسانية الأثيرة لمناوشة العالم والسحر به. "الضحكة أن تعبر الثقب الأسود إلى الحديقة"، "الضحكة تلك الفتاة الطيبة"، "الضحكة وطن".
زاهر يصاحب المكان، ويرمي عن نفسه هموم روحه، مصاحبا القليل من الكتب. وغالبا تكون الكتب بعيدة جدا عن روحه السخية بالابتسام والضحك، في كل منّا "خميرة من حزن"، صعب أن تفارقنا، حتى ونحن في الجنة، نحن فقط نتملص قليلا، كي لا نموت حزنا في بلادنا، والشاطر من تخفّف من الأثقال. وسرق من الزمان ما جاد به من فرح، وزاهر صيّاد ماهر حتى في البحر.
"هل كانت تشرع ذراعيها للبحر، أم أنها تدعوك لتطل على الميناء الأسطوري، من شرفة مقصورتها الذهبية واجهات قوسية، سقوف أسطوانية، خيول عربية، نقوش، قرميد، زلزال، مدافع، أنوف مجدوعة، آذان مقطوعة..، بيبي مريم، صاعدة فوق جرفٍ بحريٍّ إلى المدينة الأثرية، ومن تحتها تجري الأنهار.. حجر كريم في اليد المأخوذة بالتمائم".
وفي كل مرة، يعود زاهر بصيد وفير، ولا يملّ اللعبة، ولا يشبع منها أبدا، ولا يكفّ عن مشاكسة الماضي، ولا ينجو أيضا من الطعنات. يتشبث بالصحبة، ولا يهنأ في المكان، ولا يسعى إلى شيء، سوى بهجة الكتابة وصيد السفر واللعب مع النجوم، من دون أن يمتلك أي مركب، ومن دون أن يؤمن الصاري.
"ظلام أبدي في جوف الجبل/ حلمات هابطة، حلمات صاعدة/ عذب يسيل/ سمكة ملاك تتشبث بصخور ملساء عند منعطف أو شلال صغير/ كل من في الجوف أعمى/ ظلام دامس أبدي/ السلمندر، السرطان، العنكبوت الكهفي، في جنة دون كهرباء/ وجهك ماء فخار/ شاشة السينما عملاقة في موقف السيارات/ كان الفيلم غنائيا جدا، وعاطفيا إلى حد البؤس/ بينما على كفي يسيل ماؤك".
أحيانا تكون قوة الفرح أكثر غلبةً من محصول الكتابة وكمّها، أو المشي خلف ركبانها والدعاية لها بكل السبل، "لتكويم" أجران الورق فوق أرفف المكتبات في شكل كتب، أو الحضور المتوحش في أروقة المنتديات خلف وجه الثائر أو المناضل أو الحداثي الذي لا يشقّ له غبار، وزاهر لا يراهن على أيّ من ذلك، فقط يفرح ويكتب كلما تيسّر.