المغرب وإسبانيا.. العلاقة المركبة

المغرب وإسبانيا.. العلاقة المركبة

21 فبراير 2019
+ الخط -
لا تختلف الزيارة التي قام بها العاهل الإسباني، فيليبي السادس، للمغرب في الأسبوع الماضي، كثيرا عن الزيارات المعتادة التي يتبادلها مسؤولو البلدين، إلا أن مراقبين إسبانا رأوا فيها مؤشّرا على تحول في العلاقات المغربية الإسبانية، يتبدى، بالخصوص، في انشغال إسبانيا المتزايد ببناء علاقة أكثر نسقيةً مع المغرب، تتداخل فيها الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
ومنذ الأزمة الدبلوماسية بينهما صيف 2002 بسبب جزيرة ليلى، سعى البلدان، كل من موقعه، إلى بلورة مقاربة براغماتية وعملية لعلاقاتهما، تأخذ بالاعتبار حجم المصالح الكبرى بينهما، والتي ما فتئت تتنامى في السنوات الأخيرة ضمن شراكةٍ استراتيجية، يعي الطرفـان أهميتها لمنطقةٍ ذات أهمية جيو سياسية كبيرة داخل معادلة النفوذ والقوة، على الصعيدين، الإقليمي والدولي. ففي مجال مكافحة الهجرة السرية، وعلى الرغم من اعتراف الإسبان بالجهود المغربية المبذولة في الحد من تدفق المهاجرين على السواحل الجنوبية لإسبانيا، إلا أن أحد العناوين البارزة لزيارة الملك فيليبي كان حث الرباط على ''مضاعفة'' هذه الجهود وتنويع آلياتها، في مقابل دعم الاتحاد الأوروبي ومساندته، سيما في ضوء تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين ينجحون في الوصول إلى سواحل جنوب إسبانيا (أكثر من 65 ألفا عام 2018).
يكاد ملف الهجرة لا ينفصل عن مكافحة الإرهاب في مقاربة مدريد لأمنها القومي في منطقة جبل طارق، وانشغال أجهزتها الأمنية والاستخباراتية بمراقبة التنظيمات الجهادية التي تنشط جنوبي المتوسط والصحراء والساحل، فهناك جالية مغربية تعيش في إسبانيا (حوالي 900 ألف مهاجر)، ويشكل البعد الأمني والاستخباراتي في التعاطي معها أولوية إسبانية، خصوصا بعد منعرج الربيع العربي، ونجاح هذه التنظيمات في استقطاب أفرادٍ من هذه الجالية، وإقناعها بالالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق. ومن ثمّة، تُشكّل عودةُ هؤلاء هاجسا أمنيا كبيرا للبلدين، ما يفرض عليهما تنسيق جهودهما في هذا الصدد.
ويرتبط البلدان بعلاقاتٍ تجاريةٍ متينة، يعكسها تنامي حجم الاستثمارات الإسبانية في المغرب، وتنوعُ مجالاتها. وكانت الأزمة التي عصفت بالاقتصاد الإسباني في 2008 قد دفعت الرأسمال الإسباني إلى نقل جزءٍ من استثماراته إلى المغرب، خصوصا في قطاعات العقار والخدمات والسياحة. كما يعد المغرب أهم شريك تجاري لإسبانيا في أفريقيا، وثاني أكبر شريك لها خارج الاتحاد الأوروبي.
بيد أن هذه الأهمية الاستراتيجية التي تتسم بها العلاقات المغربية الإسبانية لا تخفي واجهتها الأخرى، فما زالت تصفية الإرث الاستعماري الإسباني في شمال المغرب من أبرز القضايا العالقة بين البلدين، في ظل رفض إسبانيا إعادة مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية إلى السيادة المغربية، وإصرارها على جعل هذا الملف غير قابل للتفاوض. ويمكن القول إن تزايد انشغال إسبانيا بالبنية الديمغرافية في المدينتين المحتلتين يعكس مخاوف متنامية، خصوصا داخل اليمين الإسباني، من تغيير يمسّ هذه البنية على المدى البعيد، ما قد يفتح أمام المغرب دروبا أخرى في التعاطي مع هذا الملف. ولعل هذا ما يفسّر تزايد الاهتمام الإسباني بالشأن العسكري المغربي، سواء فيما يتعلق بتحديث الترسانة العسكرية للجيش المغربي، أو برصد أولوياته. وتواترت في الأعوام القليلة الماضية تقاريرُ لمؤسسات رسمية ومراكز بحث إسبانية بشأن تطور القدرات العسكرية المغربية، وتأثيرها على التوازنات الجيوسياسية في منطقة جبل طارق وغرب المتوسط.
من ناحية أخرى، لا ترقى العلاقات الثقافية بين البلدين إلى القواسم التاريخية المشتركة بينهما، ما يعود، إلى حد ما، إلى افتقاد إسبانيا سياسة ثقافية ناجعة إزاء المغرب، سواء تعلق الأمر بصيانة الإرث المعماري الإسباني في المغرب (مسرح ثِرْبانطيس في طنجة مثل!)، أو بالاهتمام بالحضور الثقافي الإسباني فيه. وربما يؤشّر استقبال العاهل الإسباني، في الرباط، أدباء مغاربة يكتبون بالإسبانية إلى إعادة بلاده النظر في تعاطيها مع البعد الثقافي لعلاقتها بجارها الجنوبي.
بقدر ما تتسم العلاقات المغربية الإسبانية باعتمادٍ متبادلٍ متنام بقدر ما تظل أمامها عوائق بنيوية (تصفية الاستعمار الإسباني في شمال المغرب..) تتطلب التعاطي معها بنضج ومسؤولية أكثر.