اللامع أم النافع؟

اللامع أم النافع؟

03 فبراير 2019
+ الخط -
قلت لصديقي لنجلس قليلا في هذا المقهى الجديد، لنرى هل خدماته في مستوى مظهره الجاذب الفتان أم لا. جلسنا، وكانت بداية نقاشنا حول الغرور والاهتمام بالمظاهر إلى حد استعصاء تمييز الأخيار عن الأشرار .
قال: الإعجاب والاعتناء بالمظهر مقبول إذا كان مبطنه أحلى وأجدى، فلا نجعله الأهم والأوْلى.
قلت له: ذكّرتني بقصة من قصصي المجسدة للأمر، قرأت عليه القصة، وعنوانها "التجربة"، وهي: "بعد أن رأت العانس أنها خارج قائمة السرب المفضل، قررت أن تتعلم من الجاذبات المرهفات الفاتنات، تأملت انجذاب الصور إلى الصور، لاحظت لعبة الفراشات والزهور ولعبة الفخاخ والطيور. وفي اليوم الثامن والثلاثين أتاها القرار الأخير. نزلت إلى الأسواق باحثة، رجعت من السوق محملة بالاستعارات، استعارَتْ شعرا بألوان قوس قزح، استعارتْ عنقا أطول من السابق، استعارتْ صوتا يجمع بين صوت الناي والكمان، استعارت ثوبا يعكس وجه السماء والبحر، استعارت رقصا نصفه معرَّب ونصفه مغرَّب، استعارت عيونا معدنية وعيونا زرقاء زرعتها مكان عيون الكساد، فتحت الباب فصار الرافضون بالأمس ذبابا على راحتيها، أغلقت الباب وانهال القرع والصخب عليه. في اليوم الخامس والأربعين علقت على باب بيتها قائمة بأسماء هواة السطح والبريق".
ومن ذلك اليوم، بدأت بحثا في علم النفس عنوانه "الفارق بين الغباء والثراء، بين اللامع والنافع.
قال يوسف: لقد جسّدت الكثير في هذه القصة القصيرة جدا فصارت قصة كبيرة جدا.
لقد صار الناس منساقين وراء اللامع السطحي، فصارت الوجاهة والرفعة في "الأناقة"، صارت المظاهر والمناظر بلا محمول ولا معمول، وصارت الأشكال خيرا من الأعمال، وصار كل لابس لبذلة جميلة يستحق أن يصير زوج فتاة جميلة، وممتهن حرفة رفيعة، طغت المظاهر، فلم نعد نفرق بين الخاشع والخادع، بين المدعي والمتقي، فقد يصير الجزار ببذلته البيضاء طبيبا، ويصير الأمي الجاهل بلحيته وجلبابه فقيها، ويصير الراعي بوزرته مدرسا، ويصير الفتى بمجرد حمله محفظة ولو كانت فارغة تلميذا.
نظرت في ساعتي، فارتأيت أن ننهض فواجبات كثيرة تنتظرنا، والعمل أكبر من الوقت. على متن السيارة أتممنا حديثنا، فتبادلنا الاقتراحات بصدد معضلة المعضلات، وأعني الاهتمام بالأشكال الموهمة بعظيم الأعمال والأفعال.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني