الأردن.. ما الذي يقلق الدولة؟

الأردن.. ما الذي يقلق الدولة؟

19 فبراير 2019
+ الخط -
يلتقي الملك عبدالله الثاني قبل أيام محللين، تقفز الملفات الإقليمية، في حديثه، ويشير إلى سجال الأزمة الخليجية وانعكاسه على الساحة الأردنية، ويبدي مخاوفه من خطوط عربية مفتوحة مع الكيان الإسرائيلي تتجاهل الأردن. ويؤكّد، في الوقت نفسه، على أن العلاقات الأردنية مع كل القوى الإقليمية والدول العربية تمر عبر نهج التوازن والمصالح الوطنية. 
يتحرّك الملك بكثافة في الملفات الداخلية، ويجري حواراتٍ وزياراتٍ مستمرة إلى نخب وأعيان وجماعات منظمة، يعي ضرروة عنايته المباشرة بالمشهد المحلي، في وقتٍ تعجز فيه الحكومة عن تمرير قراراتها وإقناع الناس فيها بسهولة، في ظلّ ارتفاع منسوب النقد الجمعي للحكومة من نخبٍ وتياراتٍ وقوى شبابية، مصحوبا بتراجع للثقة في الأطراف... لماذا يبدي الملك كل هذه الحماسة للحوار مع مختلف القوى المحلية؟ وفي موازاة ذلك، تنشغل الحكومة في معالجة الأخطاء وتتفرّغ لسياسة التعامل اليومي مع الأزمات المتكرّرة، في مقابل ارتفاع الغضب والنقد.
وعلى مقربةٍ من مكتب رئيس الحكومة، عمر الرزاز، يذهب شبابٌ أسبوعياً إلى الدوار الرابع، حيث مقر رئاسة الحكومة في العاصمة عمّان، مكرّرين احتجاجهم ورفع شعارات تندّد بالسياسات الراهنة، ونهج الإفقار والتجويع، في ظل محاولة كثيرين ترويج رواية عن هؤلاء المحتجين أنهم بلا قيادة ولا رؤية ولا تصور واضح. ولكن الاقتراب من تلك الساحة والفضاء الاحتجاجي يفيد بأن الصورة التي تعمم ويجري بثها خلاف لذلك الخيال الرسمي، فهم شباب وقيادات متعلمة، ولهم رأي فيما يجري في البلاد. وهم لا يكفّون عن رفع السقوف، وتعبر كلماتهم عن غضب عميق وإحساس بأن البلاد تحتاج حكومةً تنجز وتحاسب وتحقق النمو 
الحقيقي، وتوقف انحدار المجتمع إلى نفق اليأس والفقر والجوع.
وفي سياق النقد للحكومة، جاءت مقالة وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء الأسبق، مروان المعشر، في صحيفة الغد بعنوان "متوسط عمر الحكومات والـتأسيس للمستقبل" لتنتقد سياسات حكومة الرزاز، ونهجها البطيء في الإصلاح، واستنفاد الثقة الشعبية مبكراً، وعدم أخذ قرارات حاسمة، والوقوع المتكرّر في الأخطاء والأزمات. وفي هذا التدخل النقدي، يبدو أن الحكومة باتت أمام ثلاث ساحات نقدية، وهي النخب المحافظة التي ترفض ما يجري، من تحوّل في دور الدولة، والمضي في سياسات الاقتراض الخارجي. وهناك النخب الليبرالبية التي تنتقد السياسات الاقتصادية والعجز عن إيجاد فرص عمل وغياب التنسيق والتشارك بين القطاعين العام والخاص، وهذا ما جاء في كلمة لوزير الخارجية الأسبق، عبدالإله الخطيب، أخيرا، وبحضور الرزاز. وفي الساحة النقدية الشعبية، هناك رأي موحد على أن ما يجري في البلاد يصعب احتماله، على الرغم من كلّ ما كان لرئيس الحكومة من صورة شعبيةٍ حسنة عند تشكيله الحكومة، وهو الأمر الذي انتهى به إلى فقدان التأييد الشعبي بشكل متسارع، فبين نقد المحافظين والليبراليين والشباب والحراك الشعبي، تبدو مهمة الحكومة الأردنية صعبة وعصية في محاولة تطبيق مشروع النهضة الوطني الذي تبنّته الحكومة، في محاولة الانتقال في المجتمع من دولة الريع إلى دولة الإنتاج، وهو فكرة ومشروع طموح، لكنه يحتاج إلى إيجاد فرص عمل ومشاريع كبرى وإنفاق على الخدمات وضخ سيولة في السوق، وجلب استثمار حقيقي، ولم يتحقق إلا القليل من وعود الاستثمار ومن بيئة التغيير المطلوب.
في هذه الظروف الاقتصادية الاجتماعية، لا يكفّ الناس في الأردن عن طرح المخاوف المقبلة في ظلال ما تسمى صفقة القرن، والتي يبدو أن مواجهتها لن تكون سهلة، ولهذا يأتي التعويض عن خسائر بتعزيز التعاون الاقتصادي مع العراق وسورية، وفتح الأبواب المغلقة، حتى ولو 
كان ذلك مشروطا بترطيب العلاقة مع إيران التي هنأ العاهل الأردني رئيسها، حسن روحاني، بالعيد الوطني، فالدخول الأردني إلى السوق العراقي لابدّ وأنه حظي بقبول إيراني.
لا يقف القلق الأردني الرسمي عند حدود أزماته الداخلية، لكنه يخشى من مفاجآتٍ في المشهد الإقليمي، وخصوصا في الملف الفلسطيني، من دون أن يكون لديه علم بها، سيما في ظل سعي اسرائيل إلى تبني خيار إبقاء الوضع الفلسطيني على ما هو عليه، والمضي في سياسات الاستيطان. وعلى أساس أن الأردن البلد الأكثر تأثراً بأي تطور فلسطيني، فإن الحرص الأردني على معالجة الاختلاف الفلسطيني يبدو ملاحظاً، خصوصا بعدما تُرك الأردن وحيداً في مواجهة ضغوط إسرائيل في مسألة تهويد القدس.
في العودة إلى تحدّيات الأردن، لا يمكن الخروج بتقييم راهن للوضع الأردني من دون الإشارة إلى أبعاد الملف السوري على أرضه أيضاً، وحرص الدولة العميقة على إنهاء البرود مع السوريين، في محاولة إعادة ترتيبات الخيارات الاستراتيجية، وتبنّي سياسةٍ أكثر قرباً من المصالح الوطنية.
في المقبل من الأيام، ترشح معلومات عن ولادة تيارات جديدة، وبصيغ مشاريع وطنية في مقابل مشروع نهضة الرزاز، لكي تؤكد هذه القوى أن خيارات البلد المستقبلية طويلة الأمد يجب أن لا تخضع لرؤية تيار بعينه أو جماعة محدّدة. وهنا يمكن القول إن العمل على صياغة تيار وطني جديد قد بدأ، إلى جانب تيار شبابي جديد، والعين عند هذا التيارات الوليدة موجهة ليس ضد الحكومة، بل باتجاه القوى المدنية الداعمة لها.
F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.