كل هذه القطط الميتة

كل هذه القطط الميتة

18 فبراير 2019
+ الخط -
تُتعب نفسَك إذا فتّشت عن السياسة في أزمة الرّباعي إيّاه مع دولة قطر، ليس فقط لأنك تحتاج أرطالا من البلاهة لتصدّق أن العربية السعودية تُجيز لنفسها أن تخوض في قصّة دعم الإرهاب إيّاها، وتشارك الإمارات ومصر (والبحرين!) في اللتّ والعجن في ذلك، قبل وبعد أن أضافتها المفوضية الأوروبية، الأسبوع الماضي، إلى القائمة السوداء لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقبل وبعد جريمة قتل جمال خاشقجي الإرهابية في القنصلية إياها في إسطنبول، بالكيفيّة المروّعة المعلومة. تُتعب نفسَك إذا فتّشت عن أي سياسةٍ في الموضوع كله. ببساطةٍ، لأن عُقدا نفسيةً مزمنةً وراء افتعال الأزمة، وهذه صحيفة الغارديان البريطانية تقدّم زيادةً لمستزيد، الأسبوع الماضي، وتكشف عن إعجاب مستشاري الحاكمين في أبوظبي بنظرية "القط الميت"، لصاحبها السير الأسترالي، لينتون كروسبي. توهّم هؤلاء أنها ستُسعفهم في عملهم الذي لا يهدأ من أجل سحب تنظيم قطر كأس العالم لكرة القدم في العام 2022. وضع لهم هذا الرجل خطّة حرب علاقاتٍ عامة، من أجل هذا الغرض، تقوم على تشويه سمعة قطر، وربطها بالإرهاب ودعمِه، وعدم قدرتها على تنظيم التظاهرة الرياضية العالمية، وذلك ببثّ ما يتيسّر من أخبارٍ ومعلومات، مؤلّفةٍ ومزوّرة، أو تخلط الصحيح بغير الصحيح، في حملاتٍ منظّمةٍ في وسائل التواصل الاجتماعي، "لتشجيع المستخدمين على الانضمام إلى مجتمعٍ دوليٍّ على الإنترنت.. ليتواصلوا مع صانعي القرار الرئيسيين في الفيفا".
عندما تضع قطّا ميّتا على الطاولة، ستصرف الأنظار عن أي قضيةٍ مطروحةٍ عليها، وستُجبر الجميع على التعامل مع هذه الواقعة، وإزاحة سواها. هذه هي نظرية السير كروسبي التي راقت للممغوصين في أبوظبي، فاشتروا هذا القط الميت بـ 5.5 ملايين جنيه إسترليني، على ما ذكرت "الغارديان"، في دفعاتٍ شهريةٍ، بقيمة 300 ألف على 18 شهرا. والبادي أنها عمليةُ نصْبٍ ناجحة على حمقى فاشلين. وليست وحدَها سذاجةُ هؤلاء التي لا يحتاج كشفُها إلى عقل أينشتاين تدلُّ على عملية النصب الظاهرة، وإنما أيضا لأن قططا ميّتةً كثيرة اشتروها، قبل 5 يونيو/ حزيران 2017 وبعده، ولم تصنع لهم شيئا، لأن الله أنعم على الإنسان بالعقل، فمن أراد استخدام عقلِه لن ينشغل بأي قطط، ولو ميتةً على أي طاولة، أما من أراد أن يُقيل عقلَه فإنه سيستطيب لعبة القطط الميّتة هذه، ولو أعيتْه كل واحدةٍ منها في كل موقعةٍ يفشل فيها، ولو أنفق الملايين لشرائها، ورميها على طاولاتٍ هنا وهناك.
ما الذي يُتعب أبوظبي من تنظيم قطر كأس العالم؟ ما الذي يجعل سحب هذا الإنجاز أولويةً لدى حكّام أبوظبي. وقد بقّ البحصة مرةً نائب رئيس شرطة دبي، ضاحي خلفان، في واحدةٍ من تغريداتِه التي لا تجد من يهمس في أذن صاحبها إن أرطال الفكاهة فيها تفيد قطر ولا تضرّها، لمّا كتب أن تراجع قطر عن "مونديال 2022" يُنهي مقاطعتها؟ يقرأ واحدنا حدّوتة "الغارديان" هذه، فيأتي إلى بالِه أن الدوحة صوّتت في العام 2013 مع دبي من أجل استضافة الأخيرة تظاهرة إكسبو 2020، وكانت أزمير التركية تُنافس على كسب هذه الاستضافة (وساو باولو)، فلم تغلّب العلاقات المتميزة مع تركيا على الرابطة الخليجية والعربية مع الإمارات، فيما الأخيرة تشتري قطّا ميتا بالملايين، لعلّه يُعينها في الشفاء من الأزمة النفسية الحادّة التي تغالبها، والتي ربما يعود جزءٌ منها، والله أعلم، إلى أن قطر كسبت تلك المنافسة أمام الولايات المتحدة (وليس غيرها)، في جولة تصويتٍ رابعة، ما جعل الرئيس باراك أوباما ينفعل في تصريحٍ عابر، (مبرّر ربما؟). تُرى، هل يعودُ بعض مواطن الأزمة النفسية هذه إلى هذا، بينما أحرزت مصر صفرا شهيرا من الأصوات، لمّا أحبّت في 2004 أن تُنافس على استضافة كأس العالم في 2010؟
هي قططٌ ميتةٌ، تنثرُها منصّاتٌ دعائيةٌ في هيئة صحفٍ وتلفزاتٍ ومواقع إلكترونية، تُنفق عليها أبوظبي، بغرض أن تنفع أيُّ منها في بيع الناس بضاعة الثورة المضادّة المتعدّدة الأوجه، السياسية والثقافية والإعلامية، ومن جديدِها البذاءةُ التي رمى بها واحدٌ من هذه المواقع تلفزيون العربي أخيرا، ودلّت على أن معايشة القطط الميتة هي مهنة هؤلاء الفاشلين التي لم يعودوا يزاولون غيرها.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.