سورية.. مفارقات الهيئة والدستور

سورية.. مفارقات الهيئة والدستور

16 فبراير 2019
+ الخط -

لا يتوقف بعض ممثلي المعارضة السورية في "الهيئة العليا للتفاوض" عن المطالبة بتشكيل "الهيئة الحاكمة الانتقالية ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة "، والتي أقرها بيان جنيف، واشترط لتشكيلها موافقة السلطة والمعارضة عليها، ليكون باستطاعتها القيام بالتدابير الضرورية لنقل سورية من الاستبداد الأسدي إلى الديمقراطية، بنص قرار مجلس الأمن رقم 2118، الصادر بإجماع أعضائه الخمسة الذي يقول "إن الحل السياسي يبدأ بتشكيلها"، ويربط بالتالي الحل بها. يربط بيان جنيف صياغة الدستور السوري الذي سيحدّد نمط الدولة الديمقراطية، بجمعيةٍ تأسيسيةٍ تشكلها "الهيئة الحاكمة"، ولا يربطه، هو أو أي قرار دولي، ب"لجنة دستورية" من النظام والمعارضة، والمجتمع المدني، تشكل بتوافق إيراني/ تركي/ روسي مع الأمم المتحدة.
تخالف "لجنة المعارضة الدستورية" بندي تشكيل "الهيئة الحاكمة" وصلاحياتها، البديلة لصلاحيات الأسد ورئيس وزرائه، بنص القرار 262/67، الصادر بتاريخ 15 مايو/ أيار 2013، عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما تخالف النص على تشكيل "جمعية تأسيسية" تضع الدستور، تختار "الهيئة الحاكمة" أعضاءها من النظام والمعارضة وأطرافٍ أخرى، وتشترط لعضويتهم فيها موافقتهم على الانتقال إلى الديمقراطية، بوصفها مرجعيةً وحيدة للدستور، ولمؤسسات مرحلة الانتقال الأخرى، فهل نالت "هيئة التفاوض" موافقة جماعة النظام على الانتقال الديمقراطي مرجعيةً للدستور الذي سيتم وضعه؟، وهل لديها موافقة الأمم المتحدة على ذلك أيضا؟. وإذا كانت "الهيئة" متمسكة حقا ب"الهيئة الحاكمة"، لماذا تخالف بيان جنيف والقرارين 2118 و262/67، وتقبل تشكيل لجنة دستورية لم تشكّلها، ليست جمعية تأسيسية يؤيد أعضاؤها الانتقال الديمقراطي؟.
أخيرا، هل لدى "هيئة التفاوض" ضماناتٌ دوليةٌ من الخمسة الكبار الذين أصدروا بيان جنيف، بشـأن الانتقال الديمقراطي مرجعية لعمل لجنة الدستور؟ وهل يستطيعون تقديم ضمانة قطعية بأن ما ستصدره سيكون دستورا جديدا، وليس مجرد تعديل للدستور الأسدي لعام 2012. هذا إن هم نجحوا في إصدار أي شيء، في ظل خلافاتهم الجذرية مع وفد النظام، وربما مع الأمم المتحدة حول الانتقال الديمقراطي، وما يقال عن الميل إلى تعديل دستور عام 2012 الأسدي الذي وضع للمحافظة على نظام الاستبداد، والالتفاف على  ثورة الحرية والانتقال الديمقراطي؟.
تطالب هيئة التفاوض بتشكيل "الهيئة الحاكمة الانتقالية"، وهي تعلم أن أحدا لن يستجيب لها. لذلك تقبل الذهاب إلى مسار يختلف عن المسار الذي حدّده  "بيان جنيف" قبل ستة أعوام،  وتعلم أن تشكيل "الهيئة الحاكمة" كان مستحيلا بنص قرار تشكيلها الذي اشترط "قبول الطرفين" المتحاربين بها. لذلك، ما أن رفضها الطرف الأسدي، حتى استحال تشكيلها الذي أدّى إلى جعل الحل السياسي وفق الوصفة التي اعتمدها البيان، والآلية التي رسمها القرار 2118 مستحيلا تماما.
هذا هو الواقع منذ نهاية عام 2012، وما لم يغيره مستحيل آخر، هو بناء المعارضة ميزان قوى يستطيع إجبار روسيا وإيران والأسد على القبول بتشكيل "الهيئة الحاكمة" بمرجعية الانتقال الديمقراطي، ستمتثل كل خطوة تقوم "هيئة التفاوض" بها لقراراتٍ دوليةٍ مخالفةٍ لبيان جنيف، ولن تكون غير إسهام في الالتفاف الروسي عليه، وبحثٍ عن طريق آخر إلى الحل. ولأن أعضاء "هيئة التفاوض" يدركون ذلك، فإنهم يتجاوزون مطالبتهم اللفظية ب"الهيئة الحاكمة"، وينخرطون في مسارٍ يعلمون تماما أنه لن يُفضي إلى تشكيل "هيئة حاكمة"، ولا تشبه محطّاته مسار الحل الذي كان يمكن لها اعتماده، وصولا إلى الانتقال الديمقراطي الذي يرفضه اليوم كل من ستفاوضهم المعارضة في وفد الأسد، وعدد غير قليل من أعضاء "لجنة المعارضة الدستورية" الذين يطالبون بتطبيق بيان جنيف. ومن واجبهم مصارحة الشعب بالحقائق، والتوقف عن المطالبة اللفظية بشيء، والتخلي العملي عنه، في الوقت نفسه، إذا كان هؤلاء يريدون حقا أن يساندهم الشعب ويساند جهودهم.

E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.