ترشّح بوتفليقة.. ماذا بعد؟

ترشّح بوتفليقة.. ماذا بعد؟

13 فبراير 2019
+ الخط -
حدث ما كان منتظراً وترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لانتخابات الرئاسة في الجزائر، والمقررة في إبريل/ نيسان المقبل، رسميّاً، لتنطلق عجلة التّجديد لعهدة خامسة له. و بما أنّ الأمر أصبح، الآن، حقيقةً سياسية، فإنّ الأمل معقودٌ على إرادات الجزائريين للاستفادة من دروس الماضي وحقائق اليوم، والتّفكير في الغد المنشود. ولكن، كيف، بأية أدوات وممن؟.
تساءل بعضهم، إثر هذا الترشّح، وبإلحاح: ماذا عسانا أن نفعل لمواجهة الواقع المرير الذي نراه ماثلاً، من دون أن نملك القدرة لمعارضته، إذ إن الجميع كان يعلم أنّ القاموس السياسي الذي تمّت صياغة كلماته الأولى في الصّيف الماضي، من خلال مفاهيم بسيطة هي: الاستمراريّة، التّمديد، التّأجيل، الإنجازات، وخصوصاً الاستقرار، سيكون من معانيه، حتماً، الوصول إلى سيناريو تجري فصوله، لقطةً تلو اللقطة، أمامنا، وتحتاج، من الجميع، ليس إلى المقاطعة، القبول والاصطفاف، كما لا تحتاج مناً، أيضاً، إلى القطيعة، بل تنادينا للبحث عن حلّ توافقي نطق به بعضهم، وجاء ذكره في رسالة ترشّح الرئيس، ولكن، بشكل ومضمون جديدين ومبتكرين.
الإرادات/ المواقف السياسية الثّلاثة المشار إليها، الموالاة للسّلطة في كلّ أطروحاتها، مقاطعة مسار الانتخابات والقطيعة مع النّظام والمسار السياسي برمّته، ليست حلولاً، بل إجابات سلبية حيال الانسداد السياسي الذي ما فتئت الجزائر تعيشه منذ الاستقلال، ولم تجد، بعدُ، مخرجاً منه، أو لا تريد، بالأحرى، الاتّجاه إليه بتبريراتٍ كانت غير مهمة وحيوية، ولكنها أضحت، الآن، مفصلية لمستقبل البلاد والعباد.
تُبنى المواقف السياسية في أيّ نظام سياسي وفق دائرة منتظمة من الرّأي والرّأي الآخر، 
وتؤدّي إلى تقديم برامج سياسية، تكون الأساس الذي ترتكز عليه العمليات الانتخابية، ثم تأتي نتائج تلك البرامج، إيجابية كانت أم سلبية، لتكون الأساس الآخر للتداول على السلطة في مسارٍ يقوده، دوماً، الخيار السيد للشعب في إطار الاقتراع العام الحر. وعندما تنتفي هذه الشروط، أو تكون ناقصة، وبدون ضماناتٍ نكفل لها التّجسيد الفعلي في الحياة السياسية، تصبح المعارضة مستحيلة. وعندها ينتشر اليأس بالمفهوم السياسي، وتكون أبرز صوره المقاطعة والقطيعة، أو، برسم التزلف والاستفادة من الامتيازات والمناصب، الموالاة.
تصبح الحياة السياسية، بهذه الصّفات، عقيمة ويسهل فيها الاستيلاء على المقدّرات، وتتحوّل الآمال إلى يأسٍ تبرزه الهجرة غير الشرعية في قوارب الموت، هجرة الكفاءات، انتشار البطالة، وتغيب فيها الفكرة الحرّة والإبداع، وهي الأوضاع التي تعرفها الجزائر، ويصرّ بعضهم على القول إنها من انعكاسات تلك الإرادات/ المواقف، وسياسات السلطة في فرض الأمر الواقع، من دون التفكير في عرض ذلك الأمر الواقع على التّشخيص، جرد النتائج والتدقيق في الحصيلة.
أمام ذلك الأمر الواقع، يكون المأمول، كما كتب صاحب هذه السطور في مقالة سابقة في "العربي الجديد"، هو الموقف الثّوري، أي حركة (تليها حركية سياسية منظّمة وتوافقية) إبداعية، تستفيد من فسحاتٍ تتيحها الحياة السياسية المنفتحة. ولكن بتحكّم فوقي، على غرار ما يجري في الجزائر. وتأتي، هنا، فرصة الندوة التي وعد بها الرئيس في حالة تجديد عهدته الرئاسية في إبريل/ نيسان المقبل، لتكون هي الندوة التي عليها الرهان، ولكن برزنامة تنظيمية، من ناحية، شكل ومضمون، ومن ناحية أخرى، يتم التّفاوض بشأنها مع السّلطة من الآن، ويكون المحور هو عقد اجتماعي جديد، موسوم بالتغيير الشّامل والكامل، يكون حقيقياً، هذه المرّة وبإجرائية منظّمة: دستور جديد (وعد به الرئيس في رسالته للترشّح)، مؤسّسات جديدة بانتخابات حرّة، نزيهة وشفّافة.
كيف تتفاوض المعارضة وتقايض القبول بالحلّ الوسط الذي تقترحه السّلطة لمعالجة معضلة 
الرئاسيات المقبلة؟. هذا هو السؤال الذي على الجميع طرحه من الآن، والتفكير من خلاله للرد على تحريك النظام قطعة مهمة في لعبة شطرنج سياسية، تتطلّب ذكاءً كبيراً ومعرفةً بدقائق الاستخدام المثالي للقدرات، والمناورة للوصول إلى نتائج مأمولة.
تحدّث الرّئيس، في رسالته المشار إليها، عن إصلاحات دستورية، وصفها بالعميقة، وعن موعدٍ كبيرٍ يتضمّن عقد ندوة توافقية مع المعارضة، وهما العرضان اللذان على الجميع التّعويل عليهما لفرض تفاوض، وأجندة تغييرية وإصلاح مؤسّسي للنظام السياسي في الجزائر.
لا يمكن التّعويل، من ناحية أخرى مقابلة، على مجتمع مدني، وشخصيات وطنية، ومعارضة على المعارضة، والجعجعة الصوتية، كما لا يمكن التّعويل على الشارع، بالنظر إلى قرارات السلطة بعدم التصريح لمسيرات أو احتجاجات شارعية، في حين يتيح العرضان، المشار إليهما، فسحة/ انفتاح تجب الاستفادة منها للتّفاوض مع النّظام والاتّفاق على ضماناتٍ لتجسيد ذلك الإصلاح، مع اعتبار تجديد عهدة الرئيس مجرّد تمديد أو مرحلة انتقالية توافقية، تحفظ للنظام السياسي استقراره.
إنها الفرصة التاريخية، أو المنعرج الذي لا يجب تفويته، لفرض الإصلاح الحقيقي، من دون المساس بأسس السلم المجتمعي الذي تم إرساؤه عقب العشرية السوداء التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، وانتهت بسياسة الوئام التي كان للرئيس الحالي الدور المحوري في عقدها مع المعارضة المسلحة، وإقرارها سياسياً في استفتاء شعبي، حاز القبول والرضا الاجتماعي في الجزائر.
تنطلق تلك المقترحات من اعترافٍ بحقيقة الاستعصاء عن التغيير الذي أرسته السلطة من خلال 
ممارساتها السياسية، والتي لا يمكن التغلب عليها، إلا من خلال الفسحة المتاحة الآن. وربما لن يتاح مثلها مستقبلاً إذا لم نعرف كيف نتوافق على حدود دنيا للمطالب، نتفاوض بشأنها كجزائريين، لإقرار التغيير وإقناع السلطة بوجوب القبول به في مقابل القبول، مجتمعياً، بالتجديد للرئيس الحالي في رئاسياتٍ نعتبرها محسومةً لصالح مرشح المنظومة الحاكمة.
هناك، بالنتيجة، فرصة، بل فرص، وعلى الجميع اقتناصها، ولعلّ الأشهر الثلاثة التي تفصلنا عن موعد الرئاسيات (إبريل/ نيسان 2019) تكون كافيةً لتنظيم صفوف المعارضة والمجتمع المدني، بضمان شخصيات وطنية ذات مصداقية مجتمعية (شخصيات تاريخية غير منخرطة في الحراك الرئاسي الحالي، على غرار أحمد طالب الإبراهيمي والرئيس السابق ليامين زروال)، ورزنامة محدّدة بمقايضةٍ تكون خاتمتها اتفاقاً مجتمعياً يمتد إلى مرحلتين، قبل الرئاسيات وبعدها مباشرة، بعنوان "مرحلة انتقالية مفصلية لجزائر المستقبل".
قد يظن بعضهم أن المعارضة هي الرفض الدائم لعروض السلطة. ولعل من يقول ذلك هو غير المتمرّس بفن التفاوض. وبما أن السياسة "فن الممكن" فإن الممكن، الآن وحالاً، هو العرض الذي قدّمه الرئيس الحالي في رسالة الترشح، وإذا عرفنا كيف نتعامل معه فسنصل، حتماً، إلى فرض صورةٍ لممارسة سياسية جديدة، وبأهداف تكون هي الإصلاح العميق للبلاد وللمؤسسات. وإن غداً لناظره لقريب.