السيسي عنصرياً أيضاً

السيسي عنصرياً أيضاً

02 فبراير 2019
+ الخط -
لم يتزيّد الحقوقي المصري، بهي الدين حسن، على شاشة تلفزيون العربي، لمّا قال إن لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي "نظرة عنصرية حقيرة" تجاه المصريين، وذلك بمناسبة ما أفضى به الأخير في المؤتمر الصحافي مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الثلاثاء الماضي في القاهرة، في طلبه من الأوروبيين النظر إلى المصريين بعيونٍ مصرية، وليس بعيونٍ أوروبية، بحسب كلامه الذي يزداد العجب من رداءته أنه جاء ردّا على سؤال صحافي فرنسي بشأن حقوق الإنسان وحبس مدوّنين في مصر. غادر السيسي الإجابة عن السؤال الواضح بالقول إن مصر لا تقوم بالمدوّنين، وكأن هناك من ادّعى شيئا من هذا، أو أن أيا من المدوّنين، المحبوسين مثلا، نسب إلى نفسِه مهمّة النهوض بالبلد من راهنها الخربان. ولم يتوقّف بؤس هذا اللغو الغريب هنا، بل راح الرئيس الضرورة، بحسب واحدةٍ من صفاتٍ يرتديها، يشكو من ولادة ثلاثة ملايين ونصف مليون مصري كل عام، ويوجّه سؤالا إلى الصحافي الفرنسي (!) عمّا يصنع بشأنهم، ومن أين يأتي بوظائف لمليون ونصف مليون خرّيج جامعي سنويا.
ليست هذه المرّة الأولى التي يجهر بها الرئيس صاحب الرؤية، بحسب صفةٍ أخرى خُلعت عليه، بعجز نظامِه عن تأدية مسؤولياته تجاه الشعب المصري، وبالإيحاء بما يمثّله هذا الشعب من عبءٍ. ولكن منسوب الفضيحة المعلنة على الهواء مباشرة في هذه الواقعة أعلى من غيرِها، إذ يُخاطب هذا الرئيس الفاشل بكلامِه هذا صحافيا أوروبيا، من عجائب الدنيا بالنسبة إليه أن يستمع إلى رئيس دولةٍ يتحدّث عن شعبه بهذه المنزلة من الازدراء. ومن هذه العجائب أيضا أن وزيرة الصحة والسكان في حكومة هذا الرئيس (هالة زايد) تذيع، في مقابلةٍ تلفزيونيةٍ معها قبل أيام، أنه نصحها بأن يُكمل أبناؤها تعليمهم في الخارج، في دلالةٍ على ما يستوطن مدارك الرجل من شعورٍ بضآلة بلده وهبوط مستوى جامعاتها (مثلا). ومن سوء حظ هذا الرئيس الذي يُراكم فشلا بعد فشل أن انحناءة زوجة ماكرون أمام طفلةٍ مصريةٍ لتتسلم منها ورد الاستقبال، وانحناءة طفلةٍ مصريةٍ أخرى أمام زوجة السيسي لتتسلّم هذه منها الورد، دلّتا على أن العيون الأوروبية للشعب المصري ليست على النحو الذي يفترضه صاحبُنا هذا، وإنما هي عيون السلطة المصرية الحاكمة، والمتحكّمة، هي الحوْلاء، هي التي تتعالى على المواطن المصري، وتسترخصه، لشديد الأسف. وفي الوقت نفسه، ثمّة أرطالٌ من الخوف المستحكم في هذه السلطة من مدوّنٍ أو معلقٍ أو مثقفٍ أو طالب، أو من مسؤولٍ سابق محترم اسمُه هشام جنينة، ومن صحافي يحاور هذا المسؤول، ومن كثيرين يمكثون في السجون التي مات فيها، في أربع سنوات، أكثر من خمسمائة، بالتعذيب والإهمال الطبي. وليست منسيةً قولةُ والدة الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني، عن القتل المروّع الذي قضى فيه ابنُها، في واحد من مخافر القاهرة على الأرجح، إنهم "عذّبوه كما لو أنه مصري".
أما أزعومة اختلاف المصريين عن الأوروبيين، والتي يسرُدها من تجدّدت له الرئاسة بالفوز على المرشّح موسى مصطفى موسى، كلما سُئل عن أصحاب الرأي المحبوسين في سجونه، فمن فائض السخافة منه أنه يزيد ويعيد كثيرا في أن البناء والتعليم والإسكان وتوفير فرص العمل وتحسين خدمات الصحة هي أولوياته التي تتقدّم على مسألة حقوق الإنسان النافلة، وكأن فتوحاتٍ كبرى أنجزها نظام 3 يوليو في هذا كله، ولا يُعرقلها سوى المدونين والرئيس السابق لاتحاد الأطباء العرب، عبد المنعم أبو الفتوح، والرئيس السابق لأركان الجيش سامي عنان، وغيرهما ممن تم حبسهم بدوافع النكاية والانتقام والأحقاد الصبيانية. وللحق، لم يبتدع عبد الفتاح السيسي التذمّر من تزايد المصريين بالملايين، فلطالما أعلن حسني مبارك امتعاضه من هذا الأمر، غير أنه لم يبلغ المستوى الهابط لدى وريثه الراهن في إفضائه بهذا أمام صحافي فرنسي في القاهرة. وعن فرية اختلاف المصريين عن الأوروبيين، وخصوصية أوضاعهم، في مسألة حقوق الإنسان ومطلب الديمقراطية، فقد سبق لرئيس الحكومة الأسبق، أحمد نظيف، أن قال لصحيفة أميركية (مايو/ أيار 2005) إن الشعب المصري ليس ناضجا بعد لمزاولة الديمقراطية، غافلا عن أن مصر عرفت أول مجلسٍ للشورى في الشرق في 1866، وأول حكومةٍ ممثلةٍ لأغلبية منتخبة في البرلمان في 1923. أما ما يغفل عنه السيسي راهنا فهو أن عنصريته (الحقيرة بنعت بهي الدين حسن) تجاه المصريين لن يمرّرها التاريخ كأنها لم تكن.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.