إلى جهاد الزين: مهلاً

إلى جهاد الزين: مهلاً

02 فبراير 2019
+ الخط -
كتب الصحافي والكاتب اللبناني، جهاد الزين، الحريص عادة على دقة مصادره، منشوراً (بوستا) على صفحته في "فيسبوك"، يتهمني فيه بأنني أصبحت "مكابراً لا يهمني الواقع منذ زمن طويل، وأن آرائي لا تكلفني شيئا. وها أنا أكرّرها اليوم (في حديث معي لصحيفة النهار)". ويضيف بالنص "فمنذ اعتبر "جبهة النصرة" في زيارته لها قبل بضع سنوات وعلنا بديلا ديمقراطيا وعلمانيا، سقط في حفرة مؤذية من الهامشية الشديدة والتبعية". بينما يأخد الزين على نفسه أنه سقط طويلا في ما يسميه "الإرهاب الإعلامي للمعارضة العلمانية السورية الذي منع أي مراجعة نقدية وشجاعة". .. هذا ما كتبه الأستاذ جهاد، وما أشعرني بالأسف أسباب ثلاثة:
أولا، أنه ينسب إلي كلاما أو رأيا لم أقله في أي يوم، كتابة أو شفاهة، وأنا أتحدّاه أن يأتي بأي دليل من كتاباتي وأقوالي يثبت أنني اعتبرت، في أي يوم، في السر أو العلن، جبهة النصرة  بديلا ديمقراطيا وعلمانيا، أو أنني لم أحاربها، وتنظيم داعش، باعتبارهما الطرف الذي لعب أخطر الأدوار في إفشال ثورة الحرية، بطرحه، أولا، بديلا لها، والتاريخ لم يعرف ثورةً انتصرت ببديلين متناقضين، يتبنّى أحدهما، وهو المشروع الإسلامي المتعسكر المتمذهب، والذي تتبنّاه جبهة النصرة و"داعش" وغيرهما من تنظيمات السلفية والجهاد، مواقف النظام المعادية للحرية الرافضة وحدة الشعب. وثانيا، بإقناعه (الطرف المتحدث عنه) العالم بأن سورية ذاهبةٌ إلي الارهاب، وليس إلى الحرية، وأن بشار الأسد أفضل من بديله الإرهابي، ولا بد من إبقائه في السلطة، لهذا السبب بالذات.
قلت دوما، في كتاباتي وتصريحاتي، إن "النصرة" أسهمت في إنقاذ النظام وتدمير الثورة.
 وطالبتها، في مقالاتٍ منشورة، بوقف إرهابها والخروج من سورية. والآن أتحدى الأستاذ جهاد الزين أن يأتي بكلمة واحدة من كتاباتي وأقوالي تثبت عكس ما أقوله الآن: خذ الوقت الذي تريده، واستخدم جميع مواقع التواصل والإذاعات والصحف. ولكن لا تتهرب من الرد على هذا التحدّي، لأنني لن أتفهم عندئذ موقفك إلا باعتباره تعبيرا عن انزعاج النظام الأسدي، وبعض الأوساط الموالية له في لبنان، من مواقفي، ومنها ما أزعجك قولي في حديث صحيفة النهار أخيرا "نحن ذاهبون إلى حقبة ما بعد الأسدية، إلى شيء من الحرية". ولا أعترض طبعا على حقك في أن تنزعج قدر ما يحلو لك.
ثانيا، ينتهز جهاد الزين الفرصة ليبني على الأكذوبة مقتضاها الأخلاقي، بقوله: لا يا ميشال، تأخرنا في أن نقول: هذه الوحوش الأصولية لا تدير ثورة بل نكبة. أستاذي: إن كنتَ قد تأخرت، فلا تضمني إلى موقفك، ووجه اللوم إلى نفسك، وليس إلي، فأنا لم أتأخر، ولدي من الأدلة ما يمكن أن يقنعك حتى أنت بأنني لم أتأخر. ويعرف السوريون أنني لم أتأخر، بل كنتُ من أوائل من حذّرهم من هؤلاء الوحوش، عندما كان التحذير يلقى، في حالاتٍ كثيرة، الرفض والإدانة. أما مسألة وقف الحرب بأي ثمن بسبب وجود الوحوش، فهي سذاجة، لعلم الأستاذ جهاد أن قسما كبيرا من كوادر جبهة النصرة أُخرجوا من سجون الأسدية بعد الثورة بشهرين، على النقيض من سلوكها الأمني الوقائي أربعين عاما، وأنها أطلقت سراحهم ليلاقوا حلها العسكري/ الطائفي بحلهم العسكري/ المذهبي، ويقضوا معا على ثورة الحرية، ويقصُروا الحدث السوري على اقتتالهم المتبادل، نظام إرهابي وتنظيمات إرهابية، يمثل هو فيه وحوش الطائفية الذين يعتقد جهاد الزين، بكل براءة، أنهم سيوقفون القتال بمجرد أن يطلبه الديمقراطيون، وتمثل هي وحوش المذهبية الذين لا يمون عليهم أعداؤهم الديمقراطيون، لكن الأستاذ جهاد يوبّخهم، لأنهم لم يوقفوا القتال!
أما قصة وقف القتال بأي ثمن، فهي دليل مؤسف على عدم معرفة جهاد الزين بالأسدية ووحوشها، أو تجاهله طابعها الأكثر من عنيف ووحشي، والذي دفعها إلى تبني حلٍّ أمني سقط ضحيته ثلاثون ألف سوري، يقبل أن تطلق رصاصة واحدة نحو السلطة، بينما كان ميشيل كيلو الذي فقد صلته بالواقع في رأي الأستاذ جهاد ينشر نصا طويلا في صحيفة السفير عنوانه "نعم، لا بد من حل سياسي"، وكان يفاوض، بمعية زملائه في لجان إحياء المجتمع المدني، فاروق الشرع (نائب الرئيس السوري)، ويزور بدعوةٍ من المستشارة في الرئاسة، بثينة شعبان، القصر الجمهوري، لمناقشة وضع حد للعنف، وإيجاد مخارج للأزمة! اسمح لي، أيها الصديق، أن أعبر عن صدمتي بمعلوماتك وأحكامك، وأن اعتبرك رجلا لا يهمّه الواقع، مع أنني كنت أعرفك صاحب رأي تعزّ عليه الحقيقة. في رأيك، أصبحنا نحن، المعارضين الديمقراطيين، دعاة عنف، نُلام لأننا لم نوقف القتال، وصار بشار الأسد رجل سلام اعتدينا عليه، وسفكنا دم الشعب الذي يدافع عنه.. هل ترتضي لنفسك هذه النهاية، أستاذ جهاد؟
ثالثا، ما أدراك، أستاذ جهاد، أنني سقطت في الهامشية؟ أين ومتى أجريت استقصاءاتٍ أتاحت 
لك إصدار هذا الحكم الذي أبعد ما يكون عن الواقع. أنا، لعلمك، من القلة الذين لم يتخلّوا يوما واحدا عن رهان الحرية والشعب السوري الواحد، فلا خيارات دينية أو مذهبية أو طائفية أو استبدادية لدى السلطة والمعارضة والفصائل، ولا طوائف وفرق ومزق، بل شعب سوري واحد. تمسكت بالحرية ضد جميع أعدائها، وفي مقدمتهم الأسد والإرهابيون من أمثاله في التنظيمات المتأسلمة، وبوحدة الشعب ضده وضدهم، إلا إذا كنت نسيت تصريح بثينة شعبان المبكّر عن الاقتتال والطائفية، وتصريحات رديفهم في الثورة المضادة عن ثورة أهل السنة والجماعة.. اليوم تتبنّى قطاعات السوريين الأكبر هذا الرهان، حتى في مناطق "جبهة النصرة" التي تشن حملاتٍ تحريضيةً متواصلةً علي، بسبب خيار الحرية والشعب الواحد، وحذّرني كثيرون منها، ولا أترك مناسبةً إلا وأحملها مسؤولية إنقاذ الأسد ونظامه، حتى أنني سألت زعيمها، أبو محمد الجولاني، في أكثر من مناسبة: إذا كان النظام الإسلامي ممنوعا دوليا، لماذا إذن تقاتل؟ الحقيقة أنك تقاتل لأن قتالك له عائد وحيد، إنقاذ الأسدية وسفك مزيد من دماء السوريين.
أستاذ جهاد: أنت مدين باعتذار للديمقراطيين السوريين، بعد ما روّجته من مزاعم مناقضة للحقيقة عن مواقفهم، عبر تهجّمك علي، وما قدمته لهم من مواعظ ليسوا بالتأكيد بحاجة إليها.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.