عندما يحذّر مجلس النواب الأميركي من ضمّ المستوطنات

عندما يحذّر مجلس النواب الأميركي من ضمّ المستوطنات

10 ديسمبر 2019
+ الخط -
وافق مجلس النواب الأميركي الذي يقوده الديمقراطيون، بأغلبية 226 صوتاً مقابل اعتراض 188، على قرار، رمزي، وغير مُلزم، ينصُّ على أن حلَّ الدولتين وحده الذي يمكن أن يضمَن بقاء إسرائيل؛ دولة يهودية ديمقراطية، ويُلبِّي تطلُّعات الفلسطينيين المشروعة لقيام دولتهم الخاصة، في تحذير من المضيِّ في الضمِّ الأحادي لأراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية. وعبرت الرئاسة الفلسطينية عن تقديرها ما جاء في القرار، واعتبرته ردًّا على سياسة الإدارة الأميركية الحالية الخاطئة، والتي كان من جديدها تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو، والتي يعتبر الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير مخالف للقانون الدولي. والمعروف أن الحزب الديمقراطي هو الأكثر تأييداً لإسرائيل، والأكثر استقطابًا لأصوات الأميركيين اليهود، ولعل السلطة الفلسطينية تعوّل على قرب انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأكثر اندفاعا من الرؤساء الجمهوريين نحو قرارات تُفضي إلى تصفية القضية الفلسطينية وإسدال السِّتار على قضايا الحلِّ النهائي، متجاوزًا الموقف الفلسطيني، بل الدولي، ومتجاوزًا حتى المعتمد من التعاطي الأميركي في ضرورة أن تكون المفاوضات الطريق إلى الحلول السياسية لهذا الصراع، معتمدًا على فرْض الواقع الاحتلالي، والإخضاع بالقوة.
ومع أن قرار مجلس النواب الأميركي غير ملزم، إلا أنه يعيد التأكيد على الرؤية الأميركية 
للصراع، ويترك أملاً في هذا التوقيت، إذ يواجه ترامب محاولات العزل التي من شأنها، في أقل التقديرات، أن تُضعفه؛ ما يعني أن بعض المواقف التي اتخذها، وبالذات الموقف من حلّ الدولتين، ومن الاستيطان، يمكن التراجُع عنها، في حال وصل إلى الحكم رئيس ديمقراطي.
الدافع لقرار مجلس النواب هو مصلحة إسرائيل، في المقام الأول؛ بحسب رؤية الحزب الديمقراطي بأغلبيته، أو ما يمكن وصفه بالحرص على حمايتها من نفسها، كما دأَب الكاتب الديمقراطي (اليهودي) البارز، توماس فريدمان، على القول، والذي رأى أن الدعم غير المحدود الذي يقدِّمه ترامب لإسرائيل يمثِّل خطرا كارثيا، وتهديدا وجوديا لإسرائيل نفسها. وأنه لا يستند إلى فكرٍ استراتيجي، وإنما هو يتَّبع أسلوب "الموافقة على كل شيء"، تطلبه إسرائيل، أو رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وأن هذا الأسلوب، بحسب رأيه، يهدف منه ترامب الحصول على مزيد من التبرُّعات من أحد كبار المانحين، وهو اليهودي المتشدِّد شيلدون أدلسون، ويهدف إلى دفع اليهود إلى مغادرة الحزب الديمقراطي والتصويت للجمهوريين؛ عبر الحصول على دعم نتنياهو لترامب. والخطر على إسرائيل، في رأيه، في أن موافقة نتنياهو في مسعاه إلى سيطرة إسرائيلية دائمة على الضفة الغربية ستؤدِّي، في النهاية، إلى انهيار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وإلى تهديد إسرائيل بأن تتحوّل إلى دولة ثنائية القومية.
ومن المبادرين إلى هذا القرار أعضاءٌ مشهود لهم بدعم إسرائيل، ومنهم إليوت إنجل، وهو من
 كبار صُنَّاع السياسة الخارجية في الكونغرس، ويرأس لجنة الشؤون الخارجية فيه، وهو المقرَّب، تاريخيًّا، من اللوبي التي تمثله لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، وكان من الموقِّعين على كتاب خطِّي مع أربعمائة عضو في الكونغرس الأميركي، من مجلسي الشيوخ والنواب، في 20 مايو/أيار الماضي، يدعو ترامب إلى حماية مصالح إسرائيل، مع انتهاء الحرب في سورية. وهو من داعمي قرار مجلس النواب الأميركي الذي عارض حركة مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات عليها (BDS)، والمعروف بمشروع قرار "إتش. آر 246"، الصادر في أواخر يوليو/تموز الماضي. وكان إنجل، أيضا، مع عضو ديمقراطي بارز، انضمّا إلى تأييد مشروع قرار اقترحته زعاماتٌ جمهورية، في مارس/ آذار 2011، هدَف إلى حرمان الرئيس الأميركي من سلطاته في وقف تنفيذ قانون قديم يلزمه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
وخلاصة الموقف "الديمقراطي" الذي جسّده قرار مجلس النواب قبل أيام ما قاله إنجل: "نحن المؤيدين الأقوياء لإسرائيل ندرك أن الأخيرة يخدمها حلُّ الدولتين، على أفضل وجه، وأنه ليس مفيدا فقط للفلسطينيين، ولكنه مفيد، أيضا، لليهود". ويأتي القرار في مرحلة فاصلة، وفي لحظة تحوّل تشهدها السياسة الأميركية، نحو التخلِّي عن دورها الحافظ نوعا من "التوازن"، وفق رؤيتها، ولمنع "المتشدِّدين" من الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني أو العربي، من التمادي في تجاوز الخطوط الحُمْر الضامنة لاستبقاء فرص الحل.
ولا يمكن عزل مسار الصراع في فلسطين عن السياق العربي المضطرب، والذي يشهد حالةً 
من عدم اليقين، وحيث تشهد النُّظُم العربية، والدولة المركزية، مزيدًا من التهديدات الداخلية، وهذا يصعِّب من ارتكان دولة الاحتلال على علاقاتها مع مسؤولين عرب يقبلون التطبيع مع إسرائيل، على ما هي عليه؛ من تكريس للاحتلال والاستيطان والتهويد للقدس، وغيرها.
ولعل من مؤشِّرات القلق الواضحة، والتي صارت أكثر وضوحًا في الفترة الأخيرة، العلاقة مع الأردن؛ الدولة بالغة الحيوية؛ لطول حدودها مع فلسطين المحتلة، ولكونها تضمّ العدد الأكبر من الفلسطينيين، (بلغ اللاجئون الفلسطينيين في الأردن، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أواسط 2018، ما نسبته 39.0%، تليه سورية، بنسبة 10.5%، ثم لبنان، بنسبة 9.1%)، حيث وصف الملك عبدالله الثاني علاقات بلاده بإسرائيل بأنها في أسوأ حالاتها. ومن شأن أيّ تغييرات عميقة تحلّ بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وبمصير القدس، وبالوضع الفلسطيني بشكل عام، أن ينعكس على الأردن، سلبًا، وعلى المنطقة العربية، في مجملها، تاليًا. ولا بد أن يكون لهذه المعطيات أثرُها على صُنَّاع السياسة في واشنطن، لا سيما أن أميركا تتجه نحو تقليل انخراطها المباشر في نزاعات المنطقة.