من هي شخصية العام؟

من هي شخصية العام؟

01 يناير 2020

(سعد يكن)

+ الخط -
الحياة كلها وجهة نظر، هكذا قال الأقدمون، فلماذا كل هذا الضجيج مع نهاية العام، والاستفتاءات تطالعك في كل مكان، وعليك أن تختار الأفضل في كل مجال. أما من طاولهم الاختيار، ووقع عليهم أكبر عدد من الأصوات فهؤلاء تعرّضوا للجلد، بعد أن سلخت جلودهم بالطبع، وتمّت تعريتهم من ورقة التوت، والسبب أنهم لا يستحقون، والجميع تساءل في سخط: ماذا فعلوا لكي يكونوا الأفضل، خلال عام مضى فيه الحَسن والسيئ؟
إذن هو عامٌ وقد مضى، بحلوه ومرّه، والليلة الماضية مع دقّات الساعة الثانية عشرة طوينا صفحته، ونحن لا نعلم أننا نطوي عاما من أعمارنا، وقد كان لأمي، رحمها الله، تساؤل تستهجن فيه إخفاء بعضهم عمره الحقيقي، وفي كل مجلسٍ للنساء تصرُّ كل واحدةٍ أنها أصغر من صاحبتها، ولكن أمي كانت تعترف بعمرها الحقيقي، وتردّد في استسلام: هو عمرٌ وسوف يمضى، ولكن كيف مضى هذا هو السؤال الذي يجيب عنه جان جاك روسّو، حيث ينصح بقوله: إذا أردت أن تحيا بعد موتك، فافعل واحدا من اثنين: اكتب شيئا يستحق أن يُقرأ، أو افعل شيئا يستحق الكتابة.
نهلِّل ونفرح على خيباتنا وفشلنا، بسبب تبعيتنا لآخرين ربما بنوا أنفسهم فوق أنقاضنا، بل ونقرِّر أن نجري الاستفتاء، ونختار أفضل شخصية، أو شخصية العام، على الرغم من أن شخصية العام لن يشبع جوعنا، ولن يسدِّد ديوننا، ولن يحمل عنّا أقساطنا، ولا يزيح ثقل فواتيرنا. وعلى الرغم من ذلك، نحن نتشاحن ونتخاصم، ونسبّ ونقذف بعضنا بعضا. ويا لهول ما نفعل، نحن بسطاء إلى درجة أن يبكي علينا سكان البلاد الأخرى التي ينال الحيوان فيه حقوقا أعلى مما نناله نحن في بلادنا، ونحن فقراء ومقهورون ومعذَّبون ومضطهدون ومغتربون وتائهون في بلادنا وبلاد الناس. وعلى الرغم من ذلك، نحن لا نجتمع إلا لنتصارع ونتخاصم ونتبادل السباب، متعصّبين لشخصية العام، مصرِّين على تنصيب الآلهة.
مفرحٌ ومبهجٌ أن يتم تكريم شخصياتٍ في حياتها؛ لأن من المحزن أن يتم ذلك بعد موتها. ولا تأخذ شخصياتٌ كثيرة، أثّرت في الحياة، حقَّها من التكريم إلا بعد موتها فبعد موت بعضهم يظهر له الأحبّة والأصدقاء، وقد تقام له النصب التذكارية أو يطلق اسمه على شارعٍ أو مسجد، وقد ظل طوال حياته مهضوم الحقوق، ويحيا في الظل، ولا يلتفت لجهوده أحد، على الرغم من أن أي فعلٍ يقوم به الإنسان يكون إضافة لتاريخه القصير في الحياة، ويكون صورةً عنه لا أكثر، وإنْ لم نستطع أن نكون مؤثّرين، فالأجدر ألا نكون هادمين ومخرِّبين. وللأسف، مع طَيِّ صفحة العام، فإن الهادمين والمخرّبين هم الذين يكرمون ويحصلون على الألقاب الرنّانة، مثل رجل العام، وشخصية سنة كذا، وذلك اتباعا لمصالح شخصية غالبا أو فصائلية، أو أيًّا كان سبب التكريم فهو في النهاية وجهة نظر ليست محايدة، ولا خلاقة، إنها وجهة نظر تضع نصب عينيها المصلحة والتطبيل قبل كل شيء.
هناك في الحياة، وعلى مدار أيام العام الذي انطوت صفحته جنود مجهولون قدّموا لنا الكثير، هناك من كشفوا الحقيقة، وهناك من ماتوا، وهم يطلبون منا أن نبحث عن الحقيقة. لو قلنا إن فتاةً اسمها إسراء غريب هي شخصية العام 2019 في فلسطين لن نكون منحازين، لأن هذه الفتاة لا نعرف بأي ذنبٍ قتلت، سوى أنها فتاة قالت لا للعادات والتقاليد، وحاولت أن تكون نفسها. وربما كشفت حقيقة أشخاص يلبسون ثياب الملائكة، فكان مصيرها الموت، وطوى النسيان قضيتها، لن نكون منحازين لو قلنا إن شخصية العام هي شابٌّ مسيحي طارد لصًّا، فدفعه هذا تحت عجلات المترو ومات. أقيموا نصبا للأبرياء وكرّموهم، ولا تلتفتوا إلى سارقي الأوطان وقوت الشعوب والمغمّسة أيديهم بدماء الأبرياء، لمجرد مصلحة أو وجهة نظر، فالحياة ليست إلا ممرا قصيرا نترك فيه ذكرانا، وقد لا تعلق لنا به ذكرى، ولكن الأجيال القادمة لا تستحق أن نخدعها بقراءة تاريخ وتخليد من لا يستحقون شكرًا ولا ثناء.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.