في نهاية 2019 إسرائيلياً

في نهاية 2019 إسرائيلياً

01 يناير 2020
+ الخط -
من الأحداث التي انتهى بها عام 2019 إسرائيلياً تظاهرة دعت إليها منظمة "إم ترتسو" اليمينية ضد الجهاز القضائي في دولة الاحتلال، ودعماً لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، المتهم بارتكاب مخالفات فساد، جرت يوم 30 ديسمبر/ كانون الأول تحت شعار: "فقط الشعب يقرّر، أوقفوا الانقلاب القضائي". وهو شعار قد يوحي بنزاهة هذا الجهاز الذي قد لا يقدر عليه في قادم الأيام حامل لقب "رئيس الحكومة الأطول بقاء في سدّة الحكم".
ومن شأن شبهة الانقلاب التي يلوّح بها أنصار نتنياهو ضد الجهاز القضائي أن تحيل إلى عقلية زعيم اليمين الإسرائيلي أكثر مما إلى نزاهة الجهاز المعنيّ. والمقصود هنا العقلية التي سبق أن قورنت مرّات عدة بعقلية الألماني النازي، كارل شميدت، في محاولته المستميتة لأن يرسي السياسة عموماً على أساس أنها قبل أي شيء القدرة على استكشاف العدو بغية كبحه وإسكاته. وفي واقع الأمر، لم تبدأ قدرة الاستكشاف هذه، في سياق المستوى الإسرائيلي الداخلي، لدى بدء إجراء تحقيقات البوليس مع نتنياهو بشأن تلك المخالفات قبل أعوام قليلة، بل منذ عودته إلى رئاسة الحكومة قبل أكثر من عقد، وانطوت آنذاك على أكثر من إشارةٍ قويّةٍ إلى أن اليمين الذي يقوده نزع القفازات ضد أكثر من عدو بعد استكشافه، وبينهم الجهاز القضائي، والمؤسّسة الأكاديمية، ووسائل الإعلام، ناهيك عن نخبٍ قديمةٍ داخل حزب الليكود جرى إقصاؤها شيئاً فشيئاً لصالح تثبيت قيادة نخبٍ جديدةٍ تحمل أجنداتٍ أشدّ عداءً للديمقراطية، على صعيد توازن القوى الداخلي، وللعرب.
ولا تزال تتردّد أصداء مقابلة صحافية مُطوّلة أدلى بها عضو الكنيست، ياريف ليفين، من الليكود، وهو أحد أكثر المقرّبين من نتنياهو، إلى صحيفة معاريف الإسرائيلية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وحدّد فيها بملء الوضوح أنه يجب تصويب السهام نحو ثلاثة أهداف على الصعيد الإسرائيلي الداخلي: المحكمة العليا التي وصفها ليفين بأنها "تيار يساري لنخبة ضئيلة من حي رحافيا الأشكنازي (في القدس الغربية) تتبنّى جدول أعمال ما بعد صهيوني"؛ وسائل الإعلام التي وصفها بأنها "تمارس حرية التشهير والتحقير"؛ منظمات المجتمع المدني اليسارية، وأساساً منظمات حقوق الإنسان التي قال إنها "تلحق أضراراً فادحة بالسيادة الإسرائيلية"!
وعلى صلة بالجهاز القضائيّ وحقوق الإنسان، كان هذا الجهاز نفسه في صلب حدث ثانٍ صادف في آخر أشهر العام المنقضي، هو إحياء منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) ذكرى مرور 30 عاماً على تأسيسها. واختارت هذه المنظمة أن تفعل ذلك من خلال نشر تقرير مُهّم بعنوان "العنف وطمسه.. الحمض النووي للاحتلال الإسرائيلي (1967)"، شمل عرضاً لثلاثين حالة نموذجية، واحدة من كل عام على مدار الأعوام منذ التأسيس، هي غيض من فيض آلاف حالات ممارسة العنف وآليات طمسه، والتي تُعدّ الآلية القضائية أبرزها على الإطلاق؛ أكدت فيه أن التفاصيل تختلف، لكنّ النتيجة واحدة: يبقى القتل وشتّى أشكال العُنف من دون مساءلة ومحاسبة. وختمته بالتذكير أنه في عام 2016 قرّرت "بتسيلم" وقف التعاون مع جهاز الطّمس. ومنذ ذلك الحين، لم تتوجّه إلى السّلطات الإسرائيليّة بطلب التحقيق في أحداث قُتل أو أصيب فيها فلسطينيّون من الأراضي المحتلّة 1967، ولمّحت إلى أن أي تغييرٍ في المستقبل يظل مُعوّلاً على الخارج، في وقتٍ يُدرك العالم أنّ الاحتلال لا يمكن إزالته بتوجيه مناشداتٍ مُهذّبة إلى المحتلّ، وإنّما بالعزم والخطوات الدوليّة الحاسمة.
لعل الاستنتاج الأوضح الذي توصلت إليه هذه المنظمة أن مشكلة العنف الذي يُمارس ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة 1967 غير كامنة في عدم تطبيق القانون، إنما في أن القانون الإسرائيلي الذي يُطبّق في تلك الأراضي سيّئ وغير عادل من أساسه، وإلا لما أجاز أن تجري كل الحالات التي استعرضتها تحت سمع الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون وبصرها.