أمن مقديشو مسؤولية من؟

أمن مقديشو مسؤولية من؟

31 ديسمبر 2019
+ الخط -
شهدت العاصمة الصومالية مقديشو السبت الماضي (29 ديسمبر/ كانون الأول) أعنف تفجير منذ عامين، أودى بمقتل نحو 80 مدنياً وإصابة نحو 140 شخصاً بتفجير شاحنة مفخّخة استهدفت نقطة تفتيش أمنية في شارع رئيسي مزدحم بالمارّة والسيارات العمومية وشاحنات نقل البضائع من مدينة أفجوي (30 كيلومتراً جنوب مقديشو)، فضلاً عن دمار هائل لحق بمحلات تجارية ومطاعم صغيرة وأكشاك كانت مصدر رزق لصوماليين كثيرين يعانون الأمرّين: تردّي الوضع الأمني وسوء الخدمات الأساسية للحياة.
بعيداً عن هذه الدماء التي أريقت ظلماً وعدواناً، تعاني مقديشو من سواتر أمنية ضيّقت خناق حياة سكانها، قطّعت هذه السواتر والحواجز الإسمنتية أوصالها، وحدّت من حركة المرور داخلها، ما طاول بعض المتاجر، وذلك دفعاً لتفجيرات تهز المدينة. وعلى الرغم من تقبل الصوماليين، وخصوصا سكان العاصمة، هذا الظرف الأمني، إلا أن لعنة التفجيرات تحصد أرواح الأبرياء بآلتها الدموية الحادّة التي لا تفرق بين صغير وكبير، كما أن استمرار حالة اللاوعي وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه توفير الحماية القصوى للمواطنين، عوامل كثيرة تسهم في استمرار مسلسل حمام الدم في مدينةٍ أدمنت فواجع التفجيرات منذ 12 عاماً.
دائماً، كلمات الشجب والاستنكار والاستهجان تلاحق قتلة الأبرياء، ولكن لا أحد يحرّك ساكناً لإنقاذ الأبرياء من هذه المجازر البشعة التي تقطع أجساد الضعفاء، نتيجة الامتناع عن تحمّل المسؤولية، وعدم شعور القيّمين على أجهزة الأمن، ومعهم العلماء وشيوخ القبائل والمجتمع المدني بها، وكأن مسؤولية أمن مقديشو ليست على عاتق أحد.
مثلت القبيلة قديما رادعاً قوياً لأي ظلم اجتماعي، أو اعتداء على أفرادها، فالتماسك العشائري كان قوة صلبة أمام طغيان الآخرين، وهو ما رفع ظلم العبودية والاستعمار الأوروبي عن تراب الصومال، غير أن الجماعات التي تقسم المجتمعات إلى مجتمع مسلم وكافر أو جاهل تمثل اليوم واجهةً لاستباحة دماء الأبرياء. وهذا هو الهجوم الدموي الذي هزّ مقديشو أخيرا لم تتبن أي جهة بعد (حتى مساء الأحد) مسؤوليتها عنه، لكن الحكومة الصومالية اتهمت، أتوماتيكياً،
 حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة بتنفيذ هذه العملية الدموية، من دون أن تنفي الأخيرة هذه التهم، ما يدلّ على أن الحكومة الصومالية التي كان يفترض أن توفر حماية لسكان العاصمة تبدو عاجزة عن فعل شيء، من قبيل تشكيل لجان طوارئ، وهي التي لا تتوفر لديها أية جاهزية لمواجهة التحدّيات الأمنية، ووضع حلول عملية تحد من حمام الدم الذي يفاجئ العاصمة حيناً بعد آخر.
عراقيل كثيرة وعقبات جمّة تعتبر تحدياً وحجر الزاوية لفرض أمن مستتب في مقديشو، أولها القبلية السائدة داخل المجتمع، والتي تبدو قوية في هرم الحكومة الفيدرالية، وضعيفة للغاية في مناطق سيطرة حركة الشباب؛ فالحكومة الصومالية لا تستطيع اتخاذ تدابير أمنية، خشية أن تضر خطوتها هذه بمصالح قبيلة ما، ولتتجنب فوضى خلافية مع قبيلة ما، ويؤدي ذلك إلى تقويض الأجهزة الأمنية الحكومية التي كان يرجى منها حماية العاصمة. كما أن المصالح الشخصية أو الفئوية تعترض سبيل الحكومة لاتخاذ تدابير أمنية، ونتيجة هذه التناقضات المنتشرة في البيت الصومالي، تبقى عقبة الظرف الأمني واحدة من التحديات الرئيسة التي يواجهها هذا البلد الأفريقي منذ عقود.
يظلّ السؤال الصعب: من سيحمي سكان مقديشو من مقصلة الموت؟ ومن يستطيع أن يضع حدّاً لهذا التطور الأمني المفاجئ؟ على الرغم من انسحابها من مقديشو قبل نحو عقد، إلا أن حماعة الشباب لا تزال تبعث رسائل ملونة بالدم إلى الحكومة الصومالية والمجتمع الدولي، مفادها بأنها قادرة على تنفيذ هجمات ومفخّخات دامية بدرجة زلزال في العاصمة، ليشكّل ذلك تحدّياً حقيقياً للحكومة التي تعلن، مع كل بداية لتأليفها، إطلاق حملة عسكرية لتطويق نفوذ حركة الشباب، من دون أن تنفذ وعودها، فالرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو أعلن، في خطابه الأول، القضاء على حركة الشباب، ولكن ما حدث كان عكس هذه الوعود، بل زادت التفجيرات، وحصدت نحو ستمائة مدني في تفجيرات بين عامي 2007 و2019.
ومهما كانت مبرّرات الترهّل الأمني في مقديشو، فإن استمرار هذا المسلسل المحبوك بألوان الدم والرماد والدخان يعد مصدر قلق لصوماليين كثيرين، وخصوصا الشباب الذين يطمحون إلى أن يبقوا في بلدهم من دون أن يختبروا متاعب الهجرة السرية، عبر زوارق مهترئة في سواحل اليمن أو قبالة سواحل ليبيا. وتبعث هذه الحوادث الدامية الخوف في نفوس رواد الأعمال الطامحين إلى الاستثمار في بلدهم، وفتح مصادر رزق للشباب، ولكن تراجعاً حقيقياً يحدث لأي تقدم إلى الأمام نتيجة هذه التفجيرات الدموية التي يرتعد منها خوفاً حتى مدبّروها، نظراً لبشاعتها ووحشيتها.

دلالات

3F6C2AC1-09AD-4357-AA15-D946B74B0C95
3F6C2AC1-09AD-4357-AA15-D946B74B0C95
الشافعي أبتدون

كاتب وإعلامي وباحث صومالي

الشافعي أبتدون