1825 يوماً لخالد لطفي

1825 يوماً لخالد لطفي

31 ديسمبر 2019
+ الخط -
ينتهي العام على خالد لطفي محكوماً بالسجن خمس سنوات، وقد رُفض طلبُ الطّعن الذي تقدّم به محاموه إلى محكمة النقض، ومعناه أن بوّابة السجن قد أُطبقت عليه بشكل مبرَم، ما لم يعمد رئيسُ جمهورية مصر، عبد الفتاح السيسي، إلى أخذ قرارٍ بالعفو عنه. الحكمُ الظالمُ لُفظ، وتمّ التأكيدُ عليه وتثبيته، على الرغم من عبثيّته وعدم قابليته للفهم. فخالد لطفي، وهو شابٌّ مصري (37 عاما)، لم يرتكب جريمةً يُعاقب عليها، من نوع القتل أو السرقة أو التعدّي أو التآمر أو المتاجرة بالممنوعات أو المعارضة السياسية، إلى ما هنالك من جنحٍ يعاقب القانونُ عليها، وأفعال أو آراء تعاقب السلطاتُ المستبدّة أصحابَها. إذًا خالد لطفي هو فقط مؤسّس دار نشر "تنمية" التي توفّر وتوزّع الكتبَ الصادرة حديثا، أو أنها تعيد نشر طبعةٍ مصريةٍ من كتب سبق أن صدرت في العالم العربي، بسعر أبخس يتوافق والسوق المصرية. 
على "فعلته" الأخيرة هذه، عوقب الناشرُ المصريّ بالسّجن، أي الاتفاق مع ناشر لبناني على إعادة نشر عملٍ سبق أن صدر مترجما عن "الدار العربية للعلوم ناشرون"، في بيروت، ثم تمّت قرصنتُه في صيغة بي دي إف يمكن تحميلها بسهولة عن "النت". الكتاب هو "الملاك، الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل" (2016) للكاتب الإسرائيلي يوري بار جوزف، عن صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وزوج ابنته الصغرى منى، أشرف مروان، وقد تحوّل لاحقا إلى فيلم بُثّ على شبكة نتفليكس، وشاهده مئات الآلاف. الرواية الإسرائيلية تقدّم رجلَ الأعمال المصري أشرف مروان جاسوسًا قدّم لإسرائيل خدمات جلّة، فيما تنفي الجهاتُ الرسمية المصرية ذلك، مؤكّدةً أنه لم يكن جاسوسًا لإسرائيل، بل أقيمت جنازة رسمية له في القاهرة إثر وفاته في لندن عام 2007، حيث لُفّ جثمانه بالعلم المصري وحضر عدد مهم من كبار المسؤولين.
ألقي القبض على الناشر خالد لطفي في إبريل/ نيسان 2018 بتهمة "إشاعة أخبار كاذبة وإفشاء أسرار عسكرية"، على الرغم من أنه لم يُفش شيئا، وكل ما طبعه كان منشورا ومتداولا وشائعا من قبل، ثم جرت محاكمته أمام محكمة عسكرية، في حين أنه مدنيّ وجبت مقاضاته من محكمة مدنية مختصة بالمطبوعات. بيد أنّ من يتابع الأمور عن كثب في مصر سيُدرك سريعا سياسةَ الدولة الماضية في التضييق على حرية الرأي والتعبير، بإصدارها أخيرا قوانين مقيّدة للصحافة والإعلام... لقد سارع خالد لطفي ليعاقب نفسَه بما وجب لمحكمةٍ عادلةٍ أن تحكم به عليه، إذ قدّم اعتذارًا للدولة عن توزيعه الكتاب، ثم سحب النسخ المتبقية من السوق وأتلفها، فهل يمكن لدولةٍ عادلةٍ أن تطالب ناشرا وموزّعا بأكثر من هذا، إذا ما أضفنا إلى كل تلك الإجراءات فرض دفع غرامة مالية؟ وهل جاء رفض الطعن وإبرام الحكم بمثابة درسٍ قاسٍ يوجّه لـ.... الحقيقة نحن لا ندري لمن. خمس سنوات. الرقم مخيفٌ لمن ارتكب جرما، فكيف به على من لم يرتكب جرما في الأساس؟ وإن كان ثمّة من يرى لخالد لطفي ذنبا ما، فليكن عقابُه بحجم ما ارتكبه من ذنب، وهو بالفعل قد تمّ عندما اعتذر وأتلف النسخ المتبقية.
سيادة الرئيس، أنت لن تقرأَني بالطبع. وإن حدث وقرأتَني، فلن تلتفتَ إلى ما أطالبك به. أنا لا أعرف خالد لطفي شخصيًا، ومع ذلك، فإني، ككاتبة، معنيّة به. أغمضْ عينيك وتخيّلْ أنك مأسورٌ في زنزانة صغيرة، يوما بعد يوم بعد يوم، ولغاية 1825 يوما قطع جزءا منها، غير أن ما تبقّى أمامه كثير. تخيّل تلك الأيام تمضي بطيئةً، رتيبةً، باردة، معتمة، وأنت محرومٌ من طفلتيك، من زوجتك، من عائلتك، من أصدقائك، من أقلّ حقوقك، من التنفّس، من كل شيء. تخيّل، حضرة الرئيس، هذا كلّه وأصعبَ وأقسى بعدُ منه إن كان لديك ضمير، وقل لي ساعتئذ، سيادتك، ما الذي يفعله خالد لطفي بعدُ في السجن؟
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"