إلى محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين

إلى محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين

28 ديسمبر 2019
+ الخط -
بعد قرار المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية، فاتو بنسودا، أخيرا، بشأن فتح تحقيق في جرائم حرب إسرائيلية محتملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، برزت أسئلة مشروعة بشان إمكانية مقاضاة دولة الاحتلال، وسوق مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة الدولية. وقد حفل تاريخ إسرائيل بارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني، واختزلت عبارة أول رئيس وزراء إسرائيلي، بن غوريون: "الوضع في فلسطين سيسوى بالقوة العسكرية"، أهم المنطلقات الاستراتيجية لاحتلال فلسطين، وتهويدها في نهاية المطاف، فكانت مجازر التنظيمات الصهيونية والجيش الإسرائيلي ضد أهالي القرى الفلسطينية أبرز عنوان للتوجهات الصهيونية والإسرائيلية لحمل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل عن أرضهم وإحلال اليهود مكانهم. وبينما كان أهل فلسطين غير مستعدين للحرب، وغير مسلحين في الغالب، وفي وضع دفاعي، شنت منظمات الهاغانا وأرغون وشتيرن، ضربات هجومية منسقة ضد المدنيين العرب في حيفا والقدس ويافا، وفي الريف الفلسطيني. فتمت المجازر المنظمة، وحدث تدمير المنازل، لحمل العرب على الرحيل.
لم تبدأ المجازر في عام 1948، ففي ليلة 15 يوليو/ تموز 1947، دخلت قوة من عصابات هاغانا بستان حمضيات يملكه رشيد أبو لبن، بين يافا وبتاح تكفا. وكانت عائلة من سبعة أشخاص نائمة داخل منزلها وتسعة عمال آخرين نائمين خارجه. ووضعت القوة المعتدية 
عبوات ناسفة، وأطلقت النار، فقتلت 11 عربياً، بينهم امرأة وبناتها الثلاث اللواتي كانت إحداهن تبلغ من العمر ثماني سنوات، والثانية سبع سنوات، والابن ثلاثة أعوام. وفي 29 سبتمبر/ أيلول 1947، هاجمت "الهاغانا" أيضاً سوق حيفا فدمرت متجر أحمد دياب الجلني بعبوات ناسفة، وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول 1947، دخلت قوة من "أرغون"، ترتدي بدلات عسكرية بريطانية، بلدة الطيرة في قضاء حيفا، وقتلت 12 عربياً وجرحت ستة. وبعد يوم ألقت هذه العصابة قنابل على تجمعات عربية عند باب العمود في القدس، فقتلت أربعة فلسطينيين، وفي اليوم نفسه هاجمت مقهى عربياً في يافا، وقتلت ستة من العرب. واستشهد في 13 ديسمبر/ كانون الأول في المدن الفلسطينية من جرّاء المجازر الصهيونية المنظمة 21 مدنياً عربياً. وتابعت العصابات الصهيونية مجازرها المنظمة في القرى الفلسطينية.
وتوجت المجازر الصهيونية بقتل الوسيط الدولي السويدي، الكونت برنادوت، في القدس في 18 سبتمبر/ أيلول 1948، على يد العصابات الصهيونية، وكان من عناصرها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق شامير، بعدما حمّل الوسيط الأممي، في تقريره إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، إسرائيل مسؤولية بروز قضية اللاجئين، وأكد أن أي تسوية لا تنجح من دون عودتهم إلى ديارهم. وبناءً على تقريره، صوّتت الجمعية العامة على القرار 194 في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1948.
وأدت المجازر الصهيونية في ما بعد إلى التهجير القسري لنحو نصف سكان فلسطين العرب
 خلال عامي 1948-1949، وتم تهجير 25% من سكان نحو 532 قرية عربية بالطرد المباشر إثر المجازر التي ارتكبتها القوات اليهودية، في حين هُجّرَ 55% من سكان تلك القرى، (دمرت منها 400 قرية)، بعد هجوم عسكري عليها، كما هُجّرَ 10% من سكان القرى العرب تحت وطأة هجوم عسكري. أي أن الهجرة العربية تحت الضغط العسكري شملت 89% من المهجّرين العرب، في حين هُجّرَ تحت وطأة الحرب النفسية أو الإيحاء للأهالي بهجوم قادم نحو 10%، ولم تتعدّ نسبة التهجير بناء على أوامر صادرة عن رئيس العائلة أو المختار 1% من مجموع الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم.
لم تتوقف المجازر الصهيونية وتدمير المنازل بعد عام 1948، فخلال عام 1967 هجر الجيش الإسرائيلي 460 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة، أصبحوا نازحين خارج ديارهم. وارتكبت السلطات الإسرائيلية مجزرة كبيرة في ساحة المسجد الأقصى عام 1990، ذهب ضحيتها ثلاثة عشر فلسطينياً، كما ارتكب مستوطن صهيوني، مدفوع من الأحزاب الإسرائيلية، مجزرة في الحرم الإبراهيمي، ذهب ضحيتها في عام 1993 نحو ستين فلسطينياً من المدنيين العزّل. ولم تكن المجازر الإسرائيلية محصورةً في فلسطين، بل تعدّت ذلك إلى 
المناطق العربية الأخرى، من أهم فصولها قصف الطيران الإسرائيلي بلدة قانا في جنوب لبنان، واستشهد نتيجة ذلك نحو مائة من النساء والشيوخ والأطفال اللبنانيين، في مقر لقوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني. وارتكب جهازا المخابرات الإسرائيلية في الخارج والداخل (الموساد والشاباك) مجازر عدة، واغتيالات منظمة لسفراء ومثقفين فلسطينيين.
أمام صورة إسرائيل العنصرية واستمرار مجازرها المنظمة، تتحتم ضرورة تدويل قضايا الإرهاب التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وتالياً سوق مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة الدولية، لينالوا عقابهم، وقد يعزز هذا التوجه عضوية فلسطين في منظمات دولية عديدة، في مقدمتها محكمة الجنايات الدولية.