ابتكارات حوثية

ابتكارات حوثية

27 ديسمبر 2019
+ الخط -
اخترعت جماعة أنصار الله (الحوثيين) بدعة جديدة، غير سياسية هذه المرّة، على العكس ممّا اعتادت عليه منذ سنوات، بل نقدية بامتياز، تُجبر من خلالها المواطنين اليمنيين المقيمين في مناطق سيطرتها الواسعة على عدم استخدام الفئة الجديدة من العملة المحلية التي اعتمدتها الشرعية اليمنية، وفرضت عليهم استبدالها، إمّا بالفئة القديمة المتهالكة أو بـ"الريال الإلكتروني".
في بلد يئنّ فيه قرابة 80% من سكانه تحت وطأة الفقر، لا يجدون وجبة طعام واحدة في اليوم، ويعتمدون على ما يوزّع عليهم من مساعدات إنسانية، وتغرقهم الديون، وفي بلدٍ تنتشر فيه الأوبئة والأمراض، من الإنفلونزا إلى حمّى الضنك إلى الملاريا، ويموت المواطنون على أبواب المستشفيات لغياب الأدوية، أو في منازلهم لعدم قدرتهم على شرائها، اختار الحوثيون فرض التعامل بعملة إلكترونية. ما يجري لا يستدعي السخرية فقط، لأن هناك من يدفع ثمن هذا الخبث من المواطنين الأشد هشاشة وتهميشاً. أقل ما يُقال عن هذا الفعل أنه فُجْرٌ في البلطجة.
من الخطأ الاعتقاد أن هدف الحوثيين فقط كسر قرار الشرعية الغارقة في أزماتها، والتي لا تقل مسؤوليتها عن معاناة اليمنيين عن التي تتحملها الجماعة. كما أنه ليس من بين أهداف الحوثيين مواجهة الفئة الجديدة من العملة، بل على العكس هم معنيون، ويريدون جمع أكبر عدد منها، لأنهم، شاءوا أم أبوا، سيضطرون إلى التعامل بها عند شرائهم المشتقات النفطية من محافظة مأرب الخاضعة لسلطة الشرعية، والتي تلتزم بقراراتها، بما في ذلك التداول بالفئة الجديدة.
الحوثيون الذين يعيشون، منذ سيطرتهم على صنعاء ومحافظات شمالية كثيرة، فائضاً في القوة، يجعلهم يتصرّفون كأنهم في معزل عن البيئة التي يوجدون فيها. يتعاطون مع اليمنيين على أنهم غارقون في نعيم الجماعة، لا جحيمها، بعدما كانت سبباً في حربٍ ممتدة منذ سنوات، دمرت البلاد، ولم تترك بيتاً إلا فيه قتيل أو جريح أو سجين أو أسير أو مختف قسرياً، وأنهكتهم بعدما كانت سبباً في انقطاع رواتبهم وفي إذلالهم. وذلك كله غير كاف لهم. في الحقيقة، يريد الحوثيون نهب اليمنيين حتى آخر رمق. وهم في ذلك لا يقلون سوءاً عن التحالف السعودي الإماراتي، بل يتقاطعون في كل تصرفاتهم مع أهدافه. الطرفان لم يجنٍ منهما اليمنيون إلا المصائب والموت والدمار. يمصّون دماءهم ببطء ولا يأبهون. ولكن مشكلة الحوثيين، كما أي مليشيات عسكرية تتضخم في توسعها، أنها تعيش اليوم في فقاعةٍ من الوهم، وهم القدرة على الاستمرار في هذا النهج المدمر والمذل لليمنيين.
متى يتوقف ذلك؟ لا أحد يمتلك الإجابة. لكن الأكيد أن دوامه مستحيل. قوة الحوثيين الحالية لن تستمر إلى ما لا نهاية. يحكم الحوثيون اليوم بالبطش. كل من يجرؤ على رفع الصوت ضدهم يكون مصيره السجن، والتهم عديدة وجاهزة، وأولها "العمالة للعدوان"، كما كل الأنظمة القمعية والدكتاتورية. كلما مرّ يوم إضافي لهم في الحكم زاد تسلّطهم على رقاب اليمنيين، لأنهم يدركون، وبفعل معرفتهم بتاريخ اليمن السياسي والتحولات التي طرأت عليه على مدى العقود الماضية، أنهم بغير ذلك هالكون، لأن جزءاً كبيراً ممن يتعاملون معهم، أو انخرطوا في صفوفهم حتى، فعل ذلك إما مصلحةً لتحقيق منافع، بعدما نمت طبقة جديدة تراكم الثروات باسم الحوثيين الذين دخلوا في لعبة السرقات والنهب والخوات، وتحولوا إلى أمراء حربٍ يتاجرون بمعاناة اليمنيين، أو اتقاء لشرهم اللامحدود وهرباً من سجونهم، لكنهم لن يتردّدوا في الانقلاب عليهم، متى ما سنحت لهم الفرصة لذلك.
جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات