شعب مسكين تركه الله أمانة

شعب مسكين تركه الله أمانة

26 ديسمبر 2019
+ الخط -
شعبٌ مسكينٌ محدود الموارد جداً، ولم يجد من يحنو عليه في العالم أبدا، وتعداده مائة مليون نسمة، ووزيرة الشؤون تعمل ليل نهار بجلبابها القطني الرخيص جدا أمام الصفوف، كي تكون قدوة فعلية للفلاحة والعاملة. شعب مسكين يطلّ على بحرين مسكينين، الأحمر والمتوسط، لا قراميط فيهما ولا سارية، ما يضطرنا لزراعة الجمبري له في قناة السويس الجديدة، والتي دفعوا فيها 60 ملياراً من حر أموالهم التي كانت تحت البلاطة. شعب مسكين، ويحوّل مساكينه إلى حساباتهم في بلدهم 26 مليار دولار في السنة الأخيرة من أعمالهم البسيطة جداً في القارّات بشهادة بنوكها، وعنده مدخرات زادت عن الأربعة تريليونات جنيه، تستدين منها الحكومة في آخر كل شهر.
شعب أعسر ومسكين، خرج من مساكينه سيد درويش ونجيب محفوظ ومجدي يعقوب وأحمد زويل، ويموت مساكينه في البحر كل عام بحثا عن الهجرة. شعب عنده حقول الغاز تحت البحر، تسيل لعاب العالم الآن، والنفط القليل، ولكنه مسكين أيضا يجلس على موائد الرحمن واللئام وفيفي عبده أيضا، ما دفعنا دفعاً إلى مشروع تبرّع بجنيه، وضحك علينا حينما قلنا: "اترك لنا الفكّة".
شعبٌ مسكينٌ سرق من أموال معاشاته القليلة بطرس بطرس غالي، وفرّ إلى أوروبا كما فرّ محمد رشيد، وفرّت أموال حسني مبارك قبله. والإنتربول لا يرد علينا أبدا، لأننا بلا شبكة تليفونية مع الخارج، وسرق أيضا من عمولات غازه لواء المخابرات حسين سالم في إسبانيا، ولكنه للأسف مات فتركنا مزروعين لدى شركة محاسبات من جزر القمر، تعرف في الفلوس المهربة أكثر منّا.
شعب يدفع من ميزانية الدولة 80% ضرائب مستحقة والله، ويدّخر الباقي في "تكّة اللباس"، لأنهم في رباط إلى يوم القيامة. شعب نحاول أن نخرجه من منطقة العوز إلى نور التمدّن كباقي الأمم، ولكنهم يقفزون من القاطرات فرحاً وسروراً كي يوفروا الخمسين جنيهاً للسهر في المقاهي، ويقلدون الممثلين في أفلام هوليوود والهند. وحفاظا عليه، أمرنا بغرامةٍ تتماشي مع الوضع، لمن يمسكه كامل "مسطّحا" فوق ظهر القطار.
شعبٌ كان يذهب بالملايين إلى ليبيا والعراق، وعندنا فرص العمل "على قفا من يشيل". شعب قرّرنا أن نخرجه، بفضل الله، من العوز، ولكنه ينظر إلى ثلاثة من أولاد رئيسه تم نقلهم إلى أجهزة رقابية، أو قصر هنا أو فيلا هناك.. يعني "هنام في الشارع يا كامل"؟
شعب لا يحلم أبدا كما حلمت الأميرة ديانا في ويلز، وكما حلم آينشتاين، وكما حلمت مدام فاتن حمامة ومحمد عبد الوهاب وهو يعد أسنان اللؤلؤ في حنك راقية إبراهيم. شعب ينام على بحار من الماء في الصحراء الغربية، كما قال دكتور فاروق الباز الجيولوجي الكبير، ولكنه يريد أن تنفجر الينابيع من تحت قدميه، كي يسقي بساتينه وهو نائم على ظهره.
شعبٌ لا يريد أن يركن سياراته أمام قصوره، ويتجوّل فقط بالدراجات كي نحافظ على "ثقب الأوزون". شعب حينما أقول له مدافعا عن طموحاته ومخاطبا الغرب، وباقي الدول التي تكسّر مجاديفنا: "طيب أدوني 20 تريليون دولار وأنا أخلي البلد عروسة"، يشبعني ضحكا وتنكيتا.. "طيب دي أصول يا كامل".. طيب زيد تذكرة المترو يا كامل أرجوك. شعب يذهب فيه المريض بالداء العضال، لا أقول اسمه حفاظا على مشاعر الآنسات الرهيفة، إلى طبيبنا المختص والعالم، فيعطيه الطبيب سيخ الكفتة الضاني من هنا، ويأخذ منه فيروس الداء العضال من هنا، ولم يذهب أي مريض إلى الآن، "طيب، أروح أشيل المريض أنا، يا كامل، من بيته بالعافية، ولا أعمل إيه؟".
شعب نفرض عليه التجنيد سنة أو سنتين أو ثلاث سنين، مع أننا لا ننوي أبدا والله أن نحارب أحدا، ونوفر له الموسيقى والراتب المحترم، ولكنه "يسطّح" على ظهور القطارات عنادا فيّ، "طيب أزعل ولا مزعلش يا كامل؟".