البنت يجب أن تتزوّج

البنت يجب أن تتزوّج

25 ديسمبر 2019

(نبيل عناني)

+ الخط -
أثار أحد بنود اتفاقية سيداو الدولية (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، والتي صادق الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عليها أخيرا، تحديد سن الزواج في فلسطين بثمانية عشر عاما للبنت مع نهاية العام الحالي، موجة عارمة من الانتقادات والرفض بين الأوساط الفلسطينية المختلفة، الدينية والعشائرية، معتبرين أن هذا القرار يجب ألّا يطبق في فلسطين التي تعتبر من أكثر دول العالم إنجاباً، وتعتبر المرأة الفلسطينية الأعلى خصوبةً بين نساء العالم. ولذلك يستغل أولو الأمر المباهون بالتكاثر هذا الأمر بأن تزوّج البنت في فلسطين في سن أصغر من السن المحدّدة بكثير.
التقيت، في سنوات سابقة، بشخصٍ ينحدر من إحدى قرى منطقة شمال غزة، سألته عن بناته، وإلى أي سنة دراسية قد وصلن بعد غياب أخبارهن عني، ففوجئت به يخبرني بأن بناته قد تزوجن وأصبحن أمهات، ثم ضحك قائلا: في عرفنا لا يمكن أن تصل البنت إلى الرابعة عشرة عاما في بيت أهلها.
هذا العُرف الذي تحدّث عنه الأب مفاخرا، وربما مزيحا ثقلا كبيرا عن قلبه، هو الذي بسببه هاج المحتجّون على قرار تحديد سن الزواج. وفي الواقع، وبقليل من التفكير والحسابات البسيطة، تحصل البنت في فلسطين على بطاقة هوية شخصية، وتشطب من بطاقة الهوية الخاصة بوالديها مع بلوغها السادسة عشرة من عمرها، كما أن البنت ذاتها غالبا ما تنهي الثانوية العامة (التوجيهية)، وهو الحد الأعلى المسموح به بالدراسة في عائلاتٍ كثيرة لا تحبذ التعليم الجامعي للبنت، فتصل البنت إلى الثانوية العامة وهي ابنة سبعة عشر عاما تقريبا أو أكثر من ذلك بقليل. وغالبا وكما نرى في الواقع، يكون يوم نجاح البنت في التوجيهية هو يوم زواجها أو عقد قرانها، فشهادة التوجيهية تعني نهاية الدراسة، وبدء الحياة الزوجية والأسرية للبنت. وعليه، لا يمكن أن تحدّد سن الثامنة عشرة للزواج، ويعني أن تنتظر البنت سنة تقريباً حتى تصل إلى السن المسموح لها بالزواج فيها، على الرغم من أن معظم العائلات الفلسطينية أيضا لا تفضّل فترة الخطوبة الطويلة أيضا، ولا تفضّل بقاء البنت في بيت أبيها الذي لا يملك القدرة المالية غالبا بدون دراسة أو زواج.
كان الأجداد يرون في البنت ووجودها في بيت أبيها قنبلةً موقوتة، أو شرّا مستطيرا. وسمعت أحد الطاعنين في السن يقول: البنت يا سترة في بيت زوجها يا وظيفة تلمّها. ويقصد أن تُكمل تعليمها الجامعي، وتخرج للعمل معلمة مثلا، وبالتالي فهي تشغل وقتها ولا يجد الشيطان منفذا لها، لتجلب العار لعائلتها بمكوثها في البيت بلا فائدة.
هذه وجهة نظر مسيئة وظالمة للبنت بالطبع، ولكنها الأعراف التي لا يمكن تغييرها، حتى مع مرور الزمن وتأخر زواج البنت بسبب التحاقها بالجامعة، فالغالبية العظمى لا تزال تتمسّك بأن أفضل مكان للبنت هو بيت زوجها، ويكفي أن "تفكّ الخط".
بالنسبة لما تقدّم، أرى أن تكون سن الزواج للبنت مع حصولها على "التوجيهية". وفي حال لم تكمل تعليمها تكون بحصولها على بطاقة هوية شخصية، مع إلغاء القانون الذي يفرض أن تكتب حالتها الاجتماعية مطلقة، في حال فسخ عقد قرانها قبل الدخول بها، فهذا القانون مجلبة للألم النفسي للبنت وأهلها. وفي كل الأحوال، ليست اتفاقية سيداو وليدة اليوم، لكي تخرج ضدها هذه الاستهجانات والبيانات، فقد صدرت في العام 1979، وغيرها وقبلها وبعدها صدرت القوانين الوضعية التي لا تناسب الدين الإسلامي، وضرب بها المسلمون عرض الحائط، وإنْ أخذ بعض المتأسلمين منها ما راق لهم وتركوا ما لا يروق. وفي النهاية، لسنا نعبد الله على شفا جرف، ولدينا شريعتنا المفترض أن ننفّذها، بحيث لا تكون المرأة ظالمة، أو مظلومة. ولكننا للأسف فقدنا روح الإسلام وروح النخوة العربية، حين ظلمنا المرأة بعقولنا، وليس باتفاقيات واردة علينا من الغرب، فبخسْنا المرأة ما أقرّه الإسلام لها قبل أربعة عشر قرناً.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.