هزائم سعد الحريري

هزائم سعد الحريري

20 ديسمبر 2019
+ الخط -
حتى ما قبل يوم الأربعاء الماضي، كان رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، سعد الحريري، يحتفظ ببعض الحظوظ لإعادة تسميته لرئاسة الحكومة مجدّداً، لكن فرصه تلاشت لتُجرى الاستشارات النيابية الملزمة أمس الخميس لاختيار رئيس جديد للحكومة من دون أن يكون اسمه مطروحاً.
أمّا لماذا حدث هذا الأمر، فالجواب يتخطى الحسابات الخاطئة التي أدار الحريري، من خلالها، أزمة الحكومة منذ استقالته أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ظنّ أن تمّسك الثنائي الشيعي به (حزب الله وحركة أمل) مرشحا للحكومة الجديدة هو شيك على بياض، يتيح له محاولة فرض شروطه (وهي بالمناسبة بعيدة عن مطالب الشارع المنتفض منذ 17 أكتوبر)، قبل أن يدرك أن اللعبة أكبر من ذلك بكثير. كان خصومه يعوّلون على عامل الوقت لاستنزافه، وجعله رهينة لهم، وهو ما تحقق لهم، بعدما ربطوا عودته بالالتزام بشروطهم، لا بما يريده هو، خصوصاً أنه كان يخوض معركته وحيداً بلا أي حلفاء، بعدما تخلّت عنه حتى "القوات اللبنانية". وبالتالي كان الغطاء المسيحي له لتشكيل حكومة جديدة مربوطاً بتسميته إما من "القوات .." (فشل الحريري بإقناعها بتسميته) أو من التيار الوطني الحر، الأمر الذي كان مستبعداً. وضع رئيس التيار، وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل، وهو صهر رئيس الجمهورية، "فيتو" على تسمية الحريري على قاعدة إما هو والحريري في الحكومة أو لن ينال المنصب. وبالتالي، كان خصوم الحريري السياسيون، ومن يفترض أنهم حلفاؤه، يجتمعون على الانقلاب ضده، ليتم إخراجه من بورصة الترشيح.
لم تكن هذه هي الهزيمة السياسية الأولى للحريري، والأرجح لن تكون الأخيرة، فمع كل عام إضافي يمضيه في عالم السياسة التي دخلها مرغماً عقب اغتيال والده رفيق الحريري في عام 2005، لم يكن يجيد إلا مراكمة الخسائر. على مدى أكثر من 14 عاماً، فشل الحريري الابن في فرض نفسه بين لعبة الكبار، بعضهم من زمن الحرب الأهلية التي امتهنوا فيها الاشتباك السياسي والعسكري والابتزاز، وبعض آخر من زمن اتفاق الطائف، والذين عايشوا والده وخبروا دهاءه السياسي والاقتصادي وقدرته على عقد التسويات والمواجهة حتى النهاية، ودفع ثمن ذلك حياته.
اعتمد الحريري الابن على إرث والده الكبير في السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد، وإن كان الشق الأخير يحمل حديثا كثيرا عن هذه التجربة ومسؤوليتها، لو جزئياً، فيما وصل إليه لبنان اليوم من انهيار مالي واقتصادي. وعوض أن يبني الحريري الابن على هذا الإرث ويضاعفه، خصم من رصيد والده، حتى تآكل ونفد بعد نحو أربعة عشر عاماً من وفاة الحريري الأب.
استغرق سعد الحريري سنوات ليحاول إثبات جدارته السياسية بلا فائدة، لا أقنع المحيطين به ولا مناوئيه. وذاق معنى الطعن السياسي من المحيطين به قبل البعيدين. حتى من داخل تيار المستقبل ومن يدور في فلكه، خرج كثيرون ليتمرّدوا عليه، بدءاً من مدير مكتبه وابن عمته بهية، نادر الحريري، وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، وزير العدل السابق أشرف ريفي. وكان هؤلاء يعتبرون أن في وسعهم الاستثمار في ضعف الحريري لصالحهم.
كما خبر جيداً غدر خصومه السياسيين، عندما دخل إلى البيت الأبيض مطلع عام 2011 رئيساً للوزراء، وخرج من لقائه مع الرئيس الأميركي في ذلك الحين باراك أوباما، ليجد نفسه رئيساً لحكومة تصريف أعمال. وعلى الرغم من كل ما مرّ به، لم يستطع الحريري إدراك أهمية أن تكون لديه تحالفات متينة تكون بمثابة مظلة سياسية له. كما عجز عن إتقان المواجهة السياسية وأدواتها، أو حتى فن تدوير الزوايا، فكانت كل معاركه خاسرة. حتى في الانتخابات النيابية عام 2018 تلقى هزيمة كبرى بتراجع كتلته النيابية أكثر من عشرة مقاعد، من دون أن يُكلّف نفسه عناء إعادة تقييم تجربته في الحكم والاستفادة من أخطائه، بل يكتفي بتكرارها. ما يواجهه اليوم نتيجة حتمية لمسار مترنّح وغير واضح، قاده الحريري نفسه الذي لم يخرج من حقيقة أنه سياسي جاء عن طريق المصادفة والضرورة.
جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات