من عمر البشير إلى رفعت الأسد

من عمر البشير إلى رفعت الأسد

20 ديسمبر 2019
+ الخط -
بدا الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، في قفص الاتهام كسيرا، وهو ينتظر صدور الحكم عليه في آخر جلسة محاكمة له استمرت قرابة أربعة أشهر، وذلك تحت عدة دعاوى، أبرزها فساد مالي وقبول أموال من الخارج، وعلى نحو خاص 25 مليون دولار تلقاها من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وكان صدور الحكم بإحالة البشير إلى الإصلاحية مدة عامين مثار نقاشٍ واسع، واعتبرته غالبية الآراء مخفّفاً أمام السجل الأسود للطاغية الذي حكم السودان قرابة ثلاثة عقود، كانت محصلتها كارثية على جميع المستويات، وخصوصاً إدارة الأزمة مع الشركاء في الجنوب، والتي قادت إلى تقسيم السودان إلى دولتين ضعيفتين، ولم تقدم حلاً لمشكلات الجنوب أو الشمال.
وعلى الرغم من أن الحكم يبدو مخفّفاً، إلا أن تقديم البشير إلى العدالة يشكل لحظة فارقة في تاريخ السودان الحديث، وبالتالي لا تتوقف المسألة عند الحكم فقط، بل تتعدّاه إلى الحمولة الرمزية التي تتمثل في وقوف هذا الطاغية داخل قفص الاتهام، بعدما كان يهز عصاه قرابة ثلاثة عقود بوجه الشعب السوداني، كأنه يسوق قطيعا من الأغنام. ويظهر هنا أن الجانب الرمزي في القضية أقوى من كل معانيها المباشرة. وتفاعل السودانيون مع وقوف البشير داخل القفص على أنه بمثابة رد اعتبار لكل ضحاياه، ولحظة تاريخية هرم الجميع بانتظارها، وفي ذلك نوعٌ من الحساب الذي لا يعادل ما عاناه السودانيون من حكم البشير، ولكنه يعني انتصار العدالة في خاتمة المطاف.
وفي هذا الأسبوع، شهدت باريس محاكمة غيابية لطاغية عربي آخر، هو رفعت الأسد نائب الرئيس السوري السابق الذي غادر سورية في منتصف الثمانينيات، وعاش متنقلا بين إسبانيا وفرنسا وبريطانيا، وهو يدير ثروةً هائلة استولى عليها خلال فترة وجوده في السلطة إلى جانب شقيقه حافظ الأسد. وحسب ما هو معروف، وظّف رفعت ثروته في استثمارات مختلفة، وخصوصا في مجال العقارات. ويبدو من سياق الدعوى المرفوعة ضده في فرنسا، والحكم الذي صدر عليه بالسجن أربع سنوات وغرامة قدرها عشرة ملايين يورو، أن سبب المحاكمة هو اتهام رفعت بغسل الأموال، بعدما اشترى عقارات في فرنسا بقيمة تسعين مليون يورو. واتهم الادعاء الفرنسي، رفعت، بأنه استولى على أموال للدولة السورية وأنفقها في شراء العقارات. وبدأ التحقيق في ثروة رفعت الأسد في فرنسا عام 2014، بعدما تقدمت منظمة "شيربا" التي تدافع عن حقوق ضحايا الجرائم الاقتصادية بشكوى، تقول فيها إن قيمة أملاكه العقارية تفوق بكثير دخله المعروف. وبعد خمس سنوات من الملاحقة، قرّر القضاء الفرنسي إحالته إلى المحاكمة بتهمة اقتراف جرائم بين 1984و2016، بما فيها غسل الأموال، والتزوير الضريبي، والاستيلاء على أموال عامة سورية. وجاء في نص الادعاء إن رفعت الأسد اشترى عقاراتٍ بمئات الملايين من الدولارات من أموال تابعة للدولة السورية، حولت له في إطار تسوية مع أخيه الراحل حافظ. وقبل شهر، واجه رفعت دعوى مماثلة في إسبانيا، على خلفية الاشتباه بغسل أموال تصل قيمتها إلى ستمئة مليون يورو.
وخلاصة القول إن رفعت الذي استولى على جزء من أموال الشعب السوري هو واحد من عصابةٍ طويلة، تتمثل بالمافيا الأسدية التي وضعت يدها على مقدّرات الشعب السوري منذ وصول آل الأسد إلى الحكم عام 1970. ويبدو أن ثروة رفعت تبدو متواضعةً مقارنة بثروات أبناء الأسد، وشقيقه جميل، وصهره محمد مخلوف، والد رامي مخلوف. ومثلما تعتبر اللحظة السودانية ذات حمولةٍ رمزيةٍ عالية، فإن محاكمة رفعت تعني للسوريين الكثير، على الرغم من أنها تشكل قسطا يسيرا جدا من العدالة التي ينتظرون أن تنصفهم ذات يوم.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد