الموزا ليزا

الموزا ليزا

19 ديسمبر 2019

"موزاليزا" في معرض آرت بازل في ميامي بيتش (6/12/2019/Getty)

+ الخط -
وجدنا، بعد لوحة الموزة الخالدة للفنان الساخر ماوريتسيو كاتيلان، حمّى تجتاح العالم الذي انزلق على قشور الموز، مثل حمَّى الكيكي. وقد وقع القول على أكثرهم، فوجدنا موزاً، ووجدنا بلحةً مصريةً مطمورةً تحت اللاصق، وبطيخةً أيضاً، ووجدنا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا، ثم وجدنا أذن فانسان فان كوخ قد عادت مثل هونغ كونغ إلى الصين بلصقة كاتيلان. وسبقت العرب كاتيلان، فكانت تعلّق أشعارها الفاخرة على جدران الكعبة بماء الذهب، فلم يُعلِ قومٌ من قدر الشعر كما فعل العرب. وقد نجد تفسيراً جديداً للنشأة الأولى، يقول: إنَّ آدم وحواء أكلا موزةً وليس تفاحة، كما يقول العهد القديم في الكتاب المقدّس، وإنَّ الإنسان خرج من الجنة لانزلاقه على قشرة الموزة التي أكلها من الشجرة المحرّمة، فسقط على الأرض باكياً نادماً! 
كانت الموزة من مخلوقات الله، وليست جوزة لها قشرة موز، أو موزة لها قشرة جوز، مثل فيل سلفادور دالي العجيب. والموز والجوز معا، مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ، بينهما وزنٌ وقافيةٌ وحرفان، ورحمٌ مقطوعة، مثل الرّحم التي بين الأعرابي ومعاوية، ولمّا أذِنَ له معاوية ودخل عليه، سأله عن الرّحم التي بينهما قال: أخوةٌ من آدم، قال: "تلك أخوةٌ مقطوعةٌ لَأَكُونَنَّ أول من وصلها"، فاقشعرّ جسمي من حلم معاوية ورحمته وبلاغته.
الموزة صفراء إذا كانت يانعة، فإذا غزاها الشيب الأسود شاخت وفسدت، وقد يدّعي الهندوس أنهم يقدِّسون الإله هانومان، وهو إلهٌ نصفُه قرد ونصفه إنسان، بسبب موز كاتيلان!
اقترب الفنان التشكيلي الأميركي، ديفيد داتونا، من تلك "الموزة" الثمينة، من لوحة الطبيعة الصامتة، الحيَّة، ثابت القلب والنهى، رابط الجأش والقدم، وقشَّرها من غير أنْ يرفَّ له جفن، وهو لا يَرْقُبُ إِلا وَلا ذِمَّةً وأكلها، فغلب أفضل السحرة في السيرك. ويخشى صديقي نوري من مؤامرةٍ كونيةٍ بين كاتيلان وديفيد، وبلغنا أنَّ الشرطة أطلقت سراح الآكل مع أنَّه أسقط النظام كله، وعفا عنه صاحب اللوحة أيضاً، فغلب حلمه حلمَ الأحنف بن قيس، فلو لم يأكلها لأكلتها الديدان. وزعم صديقي نوري أنَّ أصل داود داتونا سوري، فالسوريون يحبّون الموز، لأنهم حُرموا منه في عهد الأسد. ثم علمت من قيادي بعثي منشقّ أنَّ الحق يعلو، وأنَّ الأسد بريءٌ من حرمان الشعب السوري من الموز، وإن كان قد أذلَّه في ثروته القومية وهي القمح، والإنسانية وهي الكرامة. وأنَّ نكتة "الموز ولا المذلّة" تصحيفٌ لغوي، فالذي كان يحتكر تجارة الموز هو القائد المناضل أبو عمّار. وكان الملوك العرب قد خصّوه بتجارة الموز، وهي تجارةٌ حلال، وقيل لي إنَّ قضية إرث أبو عمار من أراضيه في الصومال ما تزال عالقة في المحاكم.
الكاتب الأميركي أو. هنري هو الذي أطلق تعبير "جمهوريات الموز" على دول أفريقيا الوسطى، وقد وافق الوصفُ الحال، فحكوماتها كانت تنقلب كثيراً، ليس بسبب كثرة قشور الموز في الطرقات، وإنما لهشاشة نظم الحكم وضعف تكوينها الوطني. ويجد السوريون أنَّ زمن الانقلابات والموز كان أرحم من زمن جمهورية الجوز، فقد رأوا ثمانية عشر رئيساً للجمهورية في ربع قرن في عصر الموز، ورئيساً واحداً في نصف قرن في عصر الجوز، والشمس والقمر كاسفين. أمَّا الجمهوريات العربية فأحبُّ أن أسمّيها جمهوريات الخبز، إذا أخذنا في الاعتبار الشعب، وجمهوريات الجوز، إذا أخذنا برجل الاعتبار الحكومات. وقد عيَّرني صديقي نوري بأنَّي من شيعة الموز، وتلك صفةٌ غير محمودة، وهو وقار، فيا ليته عيّرَ بما هو عار. الموزة ملصقةٌ على الحائط مثل الهلال تشبه ثغراً باسماً وضاحاً، ومقلوبة إلى الأسفل تشبه وجهاً عبوساً قمطريراً، وهو طعامٌ طيب، وسهل المضغ، وقلت: إنَّ خبر الموزة ليس مؤامرة كونية لخطفها أنباء المذابح السورية، أو خطف نبأ مقابلة الرئيس السوري مع القناة الإيطالية. وخاب فألي بأن يشتري صاحب لوحة المسيح المخلص الحائط الذي ألصقت عليه الموزة، ويحوّله إلى حائط مبكى، أو أن يحنِّط قشرة الموزة الخالدة التي هُدرت مثل الربيع العربي.
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."