صعود العنصرية في السويد عدوى أوروبية

صعود العنصرية في السويد عدوى أوروبية

16 ديسمبر 2019
+ الخط -
ليس هناك في السويد مؤشر أفضل لقراءة الصعود السريع للعنصرية من ارتفاع شعبية حزب سفاريا ديمقراطي العنصري السويدي، على حساب جميع الأحزاب السياسة. على الرغم من أن المعروف عن السويد تغيراتها البطيئة سياسياً واجتماعياً تاريخياً، إلا أن الحال ليس كذلك بشأن صعود العنصرية فيها، ويبدو أنها الأسرع بين الدول الأوروبية، فالحزب العنصري الذي لم يتجاوز نسبة الحسم في العام 2010، وهي 4%، استطاع في انتخابات العام 2014 الحصول على تأييد 5.7% من الناخبين، بينما حاز في انتخابات العام 2018 على تأييد 17.5% من أصوات الناخبين، وأصبح الحزب الثالث في السويد من حيث القوة الانتخابية. واليوم وبعد حوالي عام على الانتخابات، تعطي استطلاعات الرأي الحزب نسبة 25.4% من أصوات الناخبين، وهو ما يشكل زيادة حوالي ثماني نقاط مئوية أعلى من الانتخابات البرلمانية الأخيرة وفق استطلاع أجرته مؤسسة ديموسكوب لصالح صحيفة أفتونبلادت السويدية مطلع هذا الشهر، وبذلك أصبح الحزب الأول في السويد متفوقاً على الحزب الاشتراكي ـ الديمقراطي الذي حصل على 24.3% حسب الاستطلاع نفسه. ومن المفارقات أن الحزب العنصري، وهو المعادي للهجرة والأجانب، يحظى بتأييد نسبة كبيرة من السويديين من أصول مهاجرة، وحسب مسح قام به مركز الإحصاء المركزي في السويد (SCB)، فقد حصل الحزب علي تأييد 23% تقريبا من أصوات السويديين من أصول مهاجرة، وإذا استمرّت نسبة تأييد الحزب على الوتيرة ذاتها، نصل إلى انتخابات العام 2022 والحزب قادرٌ على تشكيل حكومة وحده. 
تتغير السويد بسرعة، فالبلد الذي كان أقل عنصرية في أوروبا، يشعر العنصريون فيه بالتفوق والنصر، فإجماع الأحزاب على عدم التعاون مع الحزب في التشكيلات الحكومية لم يضعف الحزب، ولم يجعل شعبيته تنخفض وسط السويديين. يعود ذلك إلى الصورة التي أعطتها 
المقاطعة للحزب، حيث ظهر بوصفه المكافح ضد النخبة السياسية التقليدية، فما جرى من تحالفات في الخريطة السياسية السويدية بعد الانتخابات أخيرا حطمت البنية التقليدية للتحالفات بين اليمين واليسار والوسط بينهما، وكانت الحكومات، يمينية أو يسارية، تحدّدها نتائج الانتخابات المتأرجحة بين الكتلتين. وفي الانتخابات أخيرا، لم تكن أي من الكتلتين قادرةً على إقامة ائتلاف حكومي يحصل على عدد المقاعد المطلوب في البرلمان، من دون تعاون مع "سفاريا ديمقراطي" الذي شكل بيضة القبان في البرلمان. ما دفع رئيس الحزب الاشتراكي، ستيفان لوفين، إلى تشكيل حكومة أقلية، بدعم من حزب الليبراليين وحزب آخر محسوب على اليمين، ما حطم الكتلتين، حيث تعهد لوفين الالتزام بالسياسات التي فرضها الحزبان على الإنفاق العام والموازنة، وهي شروط الحزبين لدعم حكومة لوفين. أي أصبحنا أمام حكومةٍ يساريةٍ تنفذ سياسات اليمين.
وبهذه المعادلة الانتخابية، ظهر "سفاريا ديمقراطي" في مواجهة الجميع، وبات أي صوت انتخابي احتجاجي يصب في مصلحته ويدعم عنصريته. ومع دخول السويد العام الحالي مرحلةً من الركود الاقتصادي، والانخفاض الحاد للكرون السويدي مقابل العملات الأخرى، زاد التذمر من سياسات الحكومة القائمة، وداعميها من اليسار واليمين، وهذا زاد من تأييد الحزب العنصري الذي أظهر نفسه مكافحا ضد النخبة السياسية السويدية البليدة، التي فتحت البلد للاجئين في العامين 2015 و2016 متسببين في الأزمة الاقتصادية الحالة، ومهدّدين مستوى الحياة في السويد، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا جزءا من المجتمع والثقافة السويديين، حسب 
ادّعاءات "سفاريا ديمقراطي".
لا يمكن فهم صعود العنصرية في السويد من دون ربطه بصعود العنصرية والشعبوية في إيطاليا وفرنسا في أوروبا، وفي الولايات المتحدة الأميركية مع وصول ترامب. السياسات العنصرية مبنية أساساً على معاداة اللاجئين، وشيطنتهم بوصفهم سبب كل المشكلات في أوروبا، من الإرهاب إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لعدم قدرتهم على التكيف مع المجتمعات الجديدة، حتى للجيلين، الثاني والثالث، وهو ما تشير له مشكلة الضواحي في فرنسا.
ولا يمكن فصل هذه التحولات عن التحولات الاجتماعية في العقود الثلاثة الماضية من المحاولات المتكرّرة لحكومات اليمين السويدية من لبرلة الاقتصاد السويد المبني تاريخياً من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، على أساسٍ من دولة الرفاه الاجتماعي عالية الحماية الاجتماعية للفرد. وإذا كان صحيحا أن هذه السياسات لم تخترق البنية الاقتصادية ـ الاجتماعية التي تكونت في السويد خلال عقود من سياسات الحكومات التي شكلها الحزب الديمقراطي الاشتراكي على أسسٍ اشتراكيةٍ، محورها حماية الفرد من الحاجة. حافظت هذه البنية على نفسها على الرغم من كل السياسات اليمينية، ولكنها أيضاً أثرت على البنية المجتمعية، حيث بات التفاوت الاقتصادي واضحاً في المجتمع السويدي، وعبّر هذا التفاوت عن نفسه بمناطق غنية مغلقة على نفسها، مقابل ضواح فقيرة تعيش على الحد الأدنى بالمقاييس السويدية.
في زمن الحرب الباردة، شكل الخطر السوفييتي العامل الموحد للنخبة السياسية في السويد. ويوحد موضوع اللاجئين هذه النخبة بوصفه الخطر الداهم، وهذا لا ينطبق على الحزب
العنصري فحسب، بل أصبح يعم كل الأحزاب التي باتت معارضة سياسة الأبواب المفتوحة في موضوع اللاجئين، والتي تم تشديد شروطها إلى درجةٍ أصبح فيها اللجوء في السويد يكاد يكون الأسوأ في أوروبا. في وقتٍ سهلت حكومة فريدريك راينفيلدت، اليمينية بزعامه حزب مدراتنا في العام 2013، الطريق أمام اللاجئين القادمين إلى السويد من الحروب، خصوصا من سورية (على عكس الشائع من أن هذه التسهيلات جاءت من الحزب الاشتراكي ـ الديمقراطي) في وقتٍ شدّدت حكومة لوفين اليسارية سياسات الهجرة، وأغلقت الحدود في وجه اللاجئين. واليوم هناك إجماع بين الأحزاب السويدية على رفض سياسة الباب المفتوح، وتقييد الدخول إلى السويد. لم يعد تأييد اللاجئين سياسة شعبية في السويد، ولذلك لم يعد أحد يدافع عن سياسةٍ مفتوحة، باستثناء حزب اليسار، لأن الجميع بات يعتبرها خطراً على مستوى الحياة في السويد، بشكل معلن أو ضمنيا، ولأن لا أحد يريد خسارة جزءٍ من ناخبيه.
يمكن القول، كما قال ماركس وأنغلز في مطلع البيان الشيوعي في منتصف القرن التاسع عشر "هناك شبح يخيم على أوروبا هو شبح الشيوعية الذي اتحدت ضده كل قوى أوروبا العجوز: البابا والقيصر ومترنيخ وغيزو والراديكاليون الفرنسيون والبوليس الألماني". واليوم في مطلع القرن الواحد والعشرين هناك شبح اللاجئين يخيم على العالم، وقد اتحدت ضدهم كل الحكومات الأوروبية والأميركية، لمنعهم من الوصول إليها، بوصفهم الخطر الداهم على أمن الدول الغنية ورفاهها.

دلالات

D06B868A-D0B2-40CB-9555-7F076DA770A5
سمير الزبن

كاتب وروائي فلسطيني، من كتبه "النظام العربي ـ ماضيه، حاضره، مستقبله"، "تحولات التجربة الفلسطينية"، "واقع الفلسطينيين في سورية" ، "قبر بلا جثة" (رواية). نشر مقالات ودراسات عديدة في الدوريات والصحف العربية.