بريطانيا: سقطة العمال

بريطانيا: سقطة العمال

15 ديسمبر 2019
+ الخط -
حسم البريطانيون خياراتهم في الانتخابات التشريعية أخيراً، باختيار حزب المحافظين لقيادة البلاد في مرحلة دقيقة جداً من تاريخ المملكة، لتطبيق الخروج نهائياً من الاتحاد الأوروبي، ليغلق باب النقاش الذي امتدّ خلال السنوات الثلاث الماضية، منذ التصويت على استفتاء "بريكست"، لجهة إمكان تطبيق النتائج، أو الذهاب إلى استفتاء جديد لتأكيد النتائج أو دحضها، وهو ما كان سيشكّل سابقةً في تاريخ الديمقراطية البريطانية. جاءت النتائج إلى حد كبير مفاجئة، خصوصاً لجهة ما ناله حزب العمال المعارض من أصوات، والتراجع الكبير في عدد مقاعده في البرلمان، على الرغم من البرنامج الواعد الذي قدمه زعيمه، جيريمي كوربين، قبل الانتخابات، وهو ما انعكس على النتيجة النهائية التي تمثلت في نيل المحافظين الغالبية المطلقة التي تمكّنهم من الحكم منفردين، الأمر الذي لم تنجح به رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، حين دعت إلى انتخابات مبكرة، لتثبيت سلطتها التي استلمتها من سلفها ديفيد كاميرون.
قد يكون مفتاح فهم نتائج هذه الانتخابات تراجع حزب العمال. ولتراجع العمال أسباب كثيرة، منها بالتأكيد الحرب الإعلامية الشرسة التي شنّتها الصحف ومحطات التلفزة البريطانية ضد زعيم "العمال" جيريمي كوربين ومحاولة شيطنته، إنْ لجهة الاتهامات التي كيلت له في ما يتعلق بمعاداة السامية، أو الادعاءات عن نيته تأميم شركات ومصارف في حي المال البريطاني. لكن، وعلى الرغم من تأثيرات الحملة الإعلامية، لا يمكن القول إنها السبب الأساس في الهزيمة العمالية، إذ إن الحزب، وتحديداً زعيمه، يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، لا سيما في ما يتعلق بالفشل في تقدير خصوصية هذه الانتخابات، واختلافها عن كل ما سبقها، في ظل سيطرة موضوع "بريكست" على ما عداه من ملفات.
كان "بريكست" العنوان الأساس لهذه الانتخابات، وخصوصاً بعد فشل البرلمان السابق في تمرير اتفاقي الخروج اللّذين أبرمهما بوريس جونسون وتيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، وما رافق ذلك من حالة عدم استقرار سياسي في بريطانيا، انعكس، بشكل أساسي، على حياة المواطنين، سواء في ما يتعلق بسعر صرف الجنيه الإسترليني أو الأحاديث الكثيرة عن الشحّ في المواد الغذائية والدوائية، في حال تم إقرار الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. لذا كان الناخبون مدعوين إلى حسم الجدل، والخروج من معمعة "بريكست" التي استمرت ثلاث سنوات. وهو فعلاً ما قام به البريطانيون، إذ اختاروا الأكثر وضوحاً في موضوع الخروج بين الحزبين الرئيسين، فالشعار الأساسي لجونسون في حملته كان تطبيق الخروج من الاتحاد الأوروبي في مدى أقصاه 31 يناير/ كانون الثاني 2020. أما باقي الملفات المتعلقة بالحياة اليومية البريطانية، كالطبابة والأمن والضرائب وغيرها، فقد حضرت بشكل ضبابي في برنامج المحافظين، إذ فهم جونسون عنوان الحملة وهواجس الناخبين واستهدفها، على عكس ما قام به كوربين، فزعيم حزب العمال، وحتى اللحظات الأخيرة قبل الاقتراع، أبقى على غموض موقفه في ما يتعلّق بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وركّز على نقاط أخرى، على الرغم من أهميتها، إلا أنها لم تكن أولوية للبريطانيين في هذه الانتخابات تحديداً. رؤية كوربين لحل موضوع "بريكست" نصّت على التوجه إلى البريطانيين من جديد، وطرح اتفاق الخروج على استفتاء، وربما الذهاب إلى استفتاء ثانٍ، ما يعني الدخول في معمعةٍ جديدةٍ تستمر سنوات، وهو ما ضاق به المواطنون ذرعاً، ودفع ناخبين كثيرين، حتى من العماليين، إلى النفور من هذا الموقف، والتصويت ضده، تحديداً في الشمال البريطاني.
حاول كوربين مسك العصا من الوسط، وهو المدرك انقسام قاعدته الشعبية بشأن موضوع الخروج، لكن في مثل هذه الانتخابات، لم يكن الحياد إلا باباً للسقوط، والذي يحتاج "العمّال" إلى وقت طويل للتعافي من تداعياته.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".