شعبان.. الذي ضحك على المؤلف

شعبان.. الذي ضحك على المؤلف

12 ديسمبر 2019

شعبان عبد الرحيم.. ابن حكايات

+ الخط -
كان شعبان عبد الرحيم، يرحمه الله، بِحِيل ابن البلد، يلطّف في ذكائه وفطنته، بحيث يحولهما إلى ما يشبه السذاجة أو العبط، من دون أن يكونا ذلك أبدا. سذاجة خفيفة الدم ومقصودة مع بداهة في الحوار والقفشة، وهذا بالطبع يثير الضحك والمرح، في الوقت نفسه، لدى السامع، فيفتح باب القبول له، والقبول بالطبع، أولا وأخيرا، من الله، فكم من فطنة واستعباط وادعاء سذاجةٍ لا تثير أي دعابة، بل أحيانا تنقلب إلى ثِقل دم، نراها كل يوم في كلمات ووجوه رؤساء دول، ينزّون عرقا حتى في ساعات ضحكهم الماسخ جدا، على الرغم من صخب القاعة بالتصفيق والتهليل للعبط. 
شعبان ابن حكايات، والمكوجي الفقير ابن حكايات، حكايات ضمت وضمنت له ذخيرة القرى الفقيرة (ميت حلفا) والسكن طويلا في الأحياء الشعبية (فيصل)، واحتكاكه في ما بعد بالليل وأفراحه مع كل طبقات المجتمع من أصحاب المهن والمعلمين والسوابق والبلطجية حتى المستورين، علاوة على احتكاكه بأهل الفن من كل الطبقات، وظلت تلك الغلالة الشفافة من ادّعاء السذاجة وقصور الفهم (ماركته الخاصة جدا كثيابه تماما) التي "قرطّس" بهما الجميع، وخصوصا المثقفين.
شعبان يعرف مسبقا أنه خفيف الدم، ولكنه يترك دفّة الذكاء عامدا للآخر، مستمتعا باللعب في مساحة الإضحاك، كي يشبع الآخر من هول المعرفة وتقعرها، ويفوز هو بخلو البال وانتزاع الضحكة، حتى تم استخدامه سياسيا في الغناء. هو يعرف أن الغناء الصافي فقط للمزاج، لا لعمرو موسى ولا لجامعة الدول العربية. هو يعرف أن كتاب عمرو موسى ليس هو المصحف كي يقبله، لأنه ببساطة القروي الذي صار مكوجيا يعرف فقط أن الذي يُقبّل هما النعمة والمصحف. وبكل تأكيد، يعرف أن كتاب عمرو موسى كتبه بيده وليس مقدّسا، ولكنه، إمعانا في ادّعاء السذاجة، كمكوجي قديم، يقبّل كتاب عمرو موسى كالرزق، كي يضحك عمرو موسى من دون أن يعرف أن هذا هو فن شعبان لانتزاع الضحكة من وجه الدبلوماسي الذي يحمي بيوت العرب من خلف زجاج مكتبه في جامعة الدول العربية التي لا تملك سوى الأوراق والملفات والاجتماعات التي تنتهي بأن لا تتفق على شيء، سوى العودة من المكاتب إلى الفندق ثم العودة إلى المطار.
شعبان ليس قليل الفهم حتى بعدم جدوى الكتب نفسها، بعدما أفهمه الليل أن كل السياسة تنتهي إلى الفندق، وكل الفنادق تنتهي إلى السهر، وكل الطائرات تعود إلى المطارات، وكل فلوس الملهى يتقاسمها صاحب المكان والراقصة والمطرب والفرقة الموسيقية مع بنات الليل. وأحيانا يكون للمخبر بعض النصيب، وللضابط الذي يحاسب الراقصة على مساحة العري في بدلة الرقص أيضا بعض النصيب، وأحيانا يتزوّجها، وأحيانا يفتح لها المحضر، كي تدفع له أو يدفع صاحب المكان. شعبان يعرف خريطة الليل جيدا، ويعرف أن كتاب عمرو موسى مجرّد "نقطة" سياسية على الواقع الجديد، ويعرف أن داود عبد السيد هو المخرج، وأن فريد شوقي هو نجم الترسو الذي كبر وعجّز، ولكنه يتساءل: "إيه يعني داود ده.. هو أكبر من فريد شوقي يعني؟". شعبان الذي قبّل كتاب عمرو موسى يملك كاتبا له وحده، إسلام خليل، أسكنه في شقته. اكتب يا إسلام حتة "أشتم زوبع"، يشتم إسلام الدكتور زوبع في أغنية. دلّع عمرو موسى يا إسلام، يدلّع إسلام عمرو موسى، وبالطبع تزعل إسرائيل، وليس ببعيد أيضا مدّا لخط الاستهبال إلى آخره، وأن تغتال إسرائيل إسلام خليل ومعه شعبان أيضا من داخل عمارة شعبان، كما فعلت بجمال حمدان. ولأن حراسة شعبان مُحكَمة، واحتمال ينام تحت الأرض أو داخل نفق في جامعة الدول العربية، بعدما صار يهدّد إسرائيل بمفاعلات إسلام خليل النووية، على الرغم من أن شعبان الأصلي يدخل "مقلة شعبولا"، ويقزقز اللب، ويشرب الحَجَرين مع أولاد الحي، ويعمّر الطاسة أحيانا، وإن عاند إسلام خليل فَرْضًا، ولم يكتب المطلوب منه، ففي الليلة نفسها، كما قال شعبان "علي الطلاّق أرمي له حاجته وأطرده من الشقة".
وبذلك، فالمؤلف في جيب شعبان، والمؤلف يسكن في بيت شعبان، والشقة شقة شعبان، وشعبان هو الآخر يقدّم فاصلا كوميديا، كي يضحك عمرو موسى، ويوقّع له إهداء الكتاب الذي ليس مهما أن يقرأه شعبان، ولكن من المهم جدا أن ترى الصورة إسرائيل في كل وكالات الأنباء، فتنزعج على مستقبلها الوجودي في المنطقة، لأنه قد يهدّدها بالفعل، بعدما صار شعبان عضوا خطيرا في الكونغرس (سينمائيا)، في الوقت الذي ترى فيه عم شعبان، يرحمه الله، في النعش بجوار نعش الممثل محمد خيري الوسيم جدا، والذي لم يقابله أبدا في انتظار الصلاة عليهما، من دون أن نرى لا المؤلف إسلام خليل، ولا صديقه سعد الصغيّر، لأنهما في رحلةٍ عمل مسرحية خطيرة في العاصمة الرياض، ستقلب الأمر في المنطقة رأسا على عقب. وكان هو أيضا هناك من أسبوع يغني على كرسي متحرّك، فله الرحمة، وسبحان من له الدوام.