يهود أميركا و"محبّة إسرائيل"

يهود أميركا و"محبّة إسرائيل"

11 ديسمبر 2019
+ الخط -
مع أن عبارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إن "بعض اليهود الأميركيين لا يحبّون إسرائيل بما فيه الكفاية"، في سياق خطابه أمام المجلس الأميركي – اليهودي، الأسبوع الحالي، تمكن قراءتها ضمن سباق المرشحين لانتخابات الرئاسة الأميركية على الفوز بالمال والصوت اليهوديين، فإنها، في الوقت عينه، تسلّط الضوء على الخلافات القائمة داخل الجالية اليهودية الأميركية بشأن إسرائيل، والآخذة بالتفاقم منذ سنوات. وهي خلافاتٌ ليست جديدة، ولكن يبدو أنها تحتدم وتتكثف في الفترة الأخيرة على خلفية وقائع مستجدّة، من قبيل تدخل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في الكونغرس، خلال ولاية الرئيس السابق، باراك أوباما، وتعاظم قوة حركة المقاطعة (BDS) في الجامعات الأميركية، والتصويت على شرعية المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 في مجلس الأمن الدولي، وكل إجراءات الإدارة الأميركية الحالية، بدءاً بتعيين السفير الأميركي الجديد في إسرائيل، وليس انتهاء بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. 
وجرى في الآونة الأخيرة تناول جوهر العلاقة القائمة بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة في دراساتٍ جديدةٍ خلصت، في شبه إجماع، إلى أن هذه العلاقة مأزومة على أزيد من صعيد. وتلزم الإشارة تحديداً إلى كتابي "تاريخ السياسة الخارجية ليهود الولايات المتحدة" لمايكل بارنيت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، و"شرخ في القبيلة" لدوف فاكسمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث وسترن، اللذين حظيا بعرض وتحليل من إليوت أبرامز، الخبير في شؤون الأمن القومي الأميركي والشرق الأوسط، وسبق أن شغل منصب مستشار سياسي في إدارة الرئيسين، رونالد ريغان وجورج بوش الابن، في مقالة مطولة ظهرت في مجلة "موزاييك" (2016) تحت عنوان "ما هو السبب الحقيقي الواقف وراء تنائي يهود الولايات المتحدة عن إسرائيل؟"، رأى فيها أن هذا التنائي غير مرتبط بإسرائيل والسياسة التي تنتهجها.
ويستخلص الكتابان أن الإجماع المؤيد لإسرائيل الذي كان يميّز يهود الولايات المتحدة تآكل، وأن المواجهة في أوساط هؤلاء اليهود حول إسرائيل وضعت نهايةً لسلوك التضامن معها. كما يستنتجان أنه إذا كانت إسرائيل تشكل، في زمان مضى، عامل وحدة بينهم، فإنها باتت الآن تشكل عامل تفريق وتشرذم. ويعتقدان أن حملة انتقاد إسرائيل في أوساط يهود أميركا مرشحةٌ لأن تتصاعد، لكن كلا منهما يشخّص أسباباً مختلفة لذلك؛ فبينما يعتقد فاكسمان أن هذه الأسباب كامنة في استمرار انزياح إسرائيل نحو اليمين، يرى بارنيت أن الأسباب تعود إلى الفارق بين واقع اليهود في إسرائيل وواقعهم في الولايات المتحدة.
وشكّلت الخلافات بين الجانبين محور روايةٍ جديدةٍ للكاتب اليهودي الأميركي، جونثان سافران فوير، بعنوان "هأنذا" (Here I Am)، صدرت ترجمتها العبرية أخيراً، وأثارت أصداء واسعة في الملاحق الأدبية الإسرائيلية. وتقف في مركزها قصة تفكّك عائلة زوجين يهوديين من واشنطن، بالتزامن مع اعتزام الابن الأكبر الاحتفال ببلوغه سنّ 13 عاماً ضمن طقس دينيّ معهود. وفي الخلفية، تتعرّض إسرائيل إلى الإبادة من جراء هزّة أرضية وحرب دينية تعقبها، لكن أفراد العائلة لا يشعرون بأي التزام أو واجب خاص تجاه المصير الذي تؤول إليه دولة الاحتلال. وعلى حدّ ما أشار إليه أحد النقاد، لن يكون مغامرة تفسير هذه اللامبالاة بكونها تعبيراً عن علاقة السواد الأعظم من يهود الولايات المتحدة حيال إسرائيل وموقفهم منها، فقد تكون دولة الاحتلال على درجةٍ من الأهمية بالنسبة إليهم من الناحية الروحانية (على الرغم من أن هذه أيضاً أصبحت موضع شك في الأعوام القليلة الفائتة)، غير أن عنوان التضامن والتعاطف والولاء من ناحيتهم هو دولة إقامتهم، وليس الدولة التي تم الزعم أنها "الوطن التاريخي".
والقاسم المشترك بين جميع هؤلاء هو الاتفاق على اتساع الفجوات بين الجانبين. أمّا الأمر المهم فيظل كامناً في مدلول سياسي تشي به الفجوات، وهو مرتبطٌ بواقع ترسّخ إسرائيل دولة احتلال قمعية من جهة، ودولة يهودية دينية تضطهد اليهود غير الأرثوذكس الذين يشكلون أغلبية يهود أميركا من جهة أخرى.