عندما تسيء الإمارات لمفتي القدس

عندما تسيء الإمارات لمفتي القدس

09 نوفمبر 2019
+ الخط -
لم تصدر دولة الإمارات "تأشيرة دخول"، لمفتي القدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، بصفته الرسمية، لحضور مؤتمر دولي. كان من المقرَّر أن يصل مفتي فلسطين، إلى دولة الإمارات، الأحد 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ولكن عدم حصوله على تأشيرة حال دون ذلك. ووفقا لوكالة الأناضول، قال مصدر فلسطيني إن السلطات الفلسطينية خاطبت نظيرتها الإماراتية، رسميا، في هذا الشأن، مضيفا: "الأمور في طريقها للحل". ومع أنّ المفتي نفى ذلك، في العلن، إلا أنه تحدّث عن مخالفة الإمارات الأصول الدبلوماسية؛ وقال لموقع دنيا الوطن إنّ ما حدث هو أنه كان لا بد أن يحضر مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، والذي يتبع لمنظمة التعاون الإسلامي، ويُعقد في دبي، وأرسل الإماراتيون فيزا عادية لحضور المؤتمر، وهذه الفيزا يجب أن تكون وَفق الأصول الدبلوماسية، وليست عادية، وفي معاملته شخصا مجرّدًا من الصفة الرسمية إساءةٌ لا يمكن أن تكون غير مقصودة. وكان يمكن لهذه الواقعة أن تمرّ بلا ضجيج، لو أن علاقات الإمارات بالسلطة الفلسطينية تستند إلى أرضية طبيعية صافية. ولكن توترات مستمرّة تسود العلاقة بينهما، ويكفي لإثباتها رعاية الإمارات المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، والذي ارتقى بخلافه مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى العلن، في هجمات متكرِّرة، وشرسة، شنّها عليه من على منابر إعلامية، عدَّة، كان منها قنوات مصرية موالية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. 
ومع أنَّ السلطة الفلسطينية لا تنحو تجاه معالجة دعم الإمارات ومصر "المنشقّ" دحلان منحىً علنيًّا مجابِهًا، إلا أن الرئيس عباس لا يمكن أن يكون سعيدًا باحتضان رجل ملاحق بتُهم فساد
 وتخريب خطيرة جعلت اللجنة المركزية لحركة فتح تقرِّر فصله، بشكل نهائي؛ بسبب تجاوزات مادِّية خالفت النُّظم واللوائح، ومسَّت ثوابت الحركة، والمصالح العليا للشعب الفلسطيني.
وفوق ذلك، يتعاظم دورُه السياسي، بديلا لعباس، مادّاً نفوذَه إلى مناطق السلطة الفلسطينية، وإلى المخيَّمات الفلسطينية خارج فلسطين، وتزداد الحساسية والمخاوف من دوره المرتقب، بعد أمرين: توتُّر علاقة عباس بالولايات المتحدة، بسبب رفضه المعلن صفقة القرن، الرفض الذي لم يمنع الإمارات ودولا عربية أخرى من رفع درجات التطبيع مع دولة الاحتلال. وانكشاف الموقف اليميني الاحتلالي برفض حلِّ الدولتين، والاكتفاء بـ"حلول اقتصادية" أو معيشية، وبحكمٍ ذاتي، في آخر المطاف.
وفي مقابل هذا الجفاء الإماراتي تُجاه السلطة الفلسطينية، وممثِّليها الرسميين، تفتح الإمارات ذراعيها لمسؤولين إسرائيليين، على مستوى رفيع، منهم وزير الرياضة، ووزير الخارجية 
يسرائيل كاتس الذي عبّر عن ابتهاجه من لقائه مسؤولا إماراتيا كبيرا، حين قال: "ترافقني مشاعر جيّاشة بالوقوف في أبو ظبي لتمثيل مصالح إسرائيل مع دول الخليج العربي". ولا تخفى الأولوياتُ التي تراعيها الإمارات، في مواقفها الخارجية، والعربية الفلسطينية، بصفة خاصة، إذ لا تبدو مستعدّةً لتفهُّم خطورة المرحلة، ومصيريّتها، على القضية الفلسطينية، وكيف تصبّ اصطفافاتُها، ومسارعتها إلى التطبيع مع كيان الاحتلال، في خدمة اليمين المتطرِّف والعنصري في إسرائيل الذي يكثِّف تهويده للقدس، والذي يسارع في توسُّعه الاستيطاني، علمًا أنها ليست في حاجةٍ إلى مثل هذا التطبيع. ومع أنها طالما استخدمت الذريعة الإيرانية، إلا أن علاقاتها التجارية مع إيران مستمرّة، وفرص اتفاقها مع إيران لا تبدو منعدمة، ففي تصريحات نقلتها وكالة أنباء فارس، في أغسطس/ آب، الماضي، أشاد رئيس غرفة التجارة المشتركة بين إيران والإمارات، فرشيد فرزانغان، بالتعاون بين البلدين، وأضاف أنه في ضوء ودود عدد ملحوظ من رجال الإعمال الإيرانيين بدولة الإمارات، لا سيما دبي، ودورهم المؤثر في هذا البلد، فإن الرغبة متوفرة في إقامة التعاون مع إيران، مشدِّدًا على أن الأجواء السياسية السائدة بين البلدين تسير باتجاه التحسُّن. وفي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال عضو في البرلمان الإيراني، أكبر تركي: إن دولة الإمارات أفرجت عن سبعمائة مليون دولار من أموال إيرانية كانت مجمَّدة في بنوك الإمارات. وأفاد بأن العلاقات المالية بين البلدين تحسَّنت أخيرا. ورأى النائب الإيراني أن الإمارات تسعى إلى التقرُّب إلى إيران، وإصلاح علاقاتها معها.
وبعد، فأيّ قواعد، أو مصالح، تحكم السياسية الإماراتية، تُجاه فلسطين؟ وليس الأخطر هنا، تعاطيها مع مسؤول فلسطيني، هنا، أو هناك، بقدر ما هو مجمل السياسة الغريبة تُجاه الاحتلال، بشخص رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، واليمين المتطرّف الذي يدعمها، في المجتمع والجيش، والأهداف المعلنة لتصفيةٍ لا تقتصر على أبعاد سياسية، (على خطورتها) بل على مجمل الوجود الفلسطيني في فلسطين والقدس.