من تحية كاريوكا إلى صابرين

من تحية كاريوكا إلى صابرين

28 نوفمبر 2019
+ الخط -
رقصت تحية كاريوكا وناضلت، وكانت إنسانةً في أوقات رقصها وشهرتها، وتقف مع المساكين والضعفاء. وتحجّبت أيضا، وربّت الطفلة اليتيمة، واعتصمت بالنقابة ضد حسني مبارك وقوانينه الجائرة مع سائر الفنانين والفنانات، وهي سيدة تعدّت السبعين، وكانت تذهب أيضا من غير دعاية تلفزيونية إلى مسجد السيدة نفيسة خُفيةً بالصدقات، وتقضي يومها مع الطيبين والمحتاجين، من غير دموع ولا جلسرين ولا لجان إلكترونية مدعومة لمجرد المكايدة. وكتب أيضا عنها الراحل إدوارد سعيد ثلاث مقالات، بعد زيارة لها، كانت تضع بجوارها سجادة الصلاة، واستأذنته في ميعاد الصلاة. وكان هذا عاديا جدا على سعيد، ولم يستنكفه، ولم يكن ذلك أبدا متصنّعا من الراحلة أبدا، فلماذا هذا الهَوَس المدني النخبوي المكايد، لمجرد أن الفنانة صابرين خلعت الإيشارب؟ وكأنها بخلعها الإيشارب سوف تدكّ قلاع الإخوان المسلمين في سجني طرة والمزرعة. ومن غير المستبعد أيضا أن تصل راجمات الإيشارب إلى إسطنبول أيضا.
صابرين فنانة عادية تمارس الغناء والتمثيل منذ طفولتها، وطاب لها المقام بعدما نضجت، وذلك النجاح الملفت في مسلسل أم كلثوم، أن تحتفظ بالإيشارب، إيشارب أم كلثوم، وحينما أحسّت أن بركة الإيشارب انتهى مفعولها وأنها أمام أيام أخرى، ركنت الإيشارب، كي تستعد لأي عمل جديد، ولو كان عن الأيام الأخيرة في حياة منيرة المهدية مثلا، فلماذا نحمّل الموضوع أكثر من طاقته؟ ولماذا نستخدم الأزهر، في موضوع الحجاب، كقنطرة للسلطة لإشاعة مزيد من التطاحن الاجتماعي، في وقت ستتقاتل أناس بعد سد إثيوبيا على صفيحة ماء. لماذا ضخ تلك المعارك من أجل إيشارب خلعته فنانة، لن يكون الأول ولن يكون الأخير.
أين ذهبت فساتين الخمسينيات والستينيات وحقائب بنات الجامعات في القاهرة والإسكندرية؟ وأين ذهب "البرقع" والميكروجيب؟ وأين ذهبت أيضا باروكات السبعينيات والثمانينيات؟ باستثناء باروكة مفيد فوزي وسمير غانم وسمير صبري بالطبع لأنها من الثوابت القومية. وأين ذهب هيبيز الستينيات، بعدما صاروا خبراء للشركات متعدّدة الجنسيات وطلقوا الأفكار، وعادوا إلى طقوس الكنيسة، بعدما كبرت حفيداتهم؟ وأين ذهب شعر أينشتاين، على الرغم من أنه لم يكن واحدا من الهيبيز؟ فالحياة في جوهرها أكبر من المظهر بكثير مع كامل تقديري لـ"جشطالت"، علاوة على أن عبد الفتاح السيسي مثلا لا يأتيه أينشتاين في الحلم أبدا، ولا حتى جمال حمدان ولا نجيب محفوظ أو داروين ولا حتى جمال عبد الناصر، بل تأتيه السيوف الحمراء من موقعتي بدر وأحد، مع أنه يدعو في شرم الشيخ إلى تجديد الخطاب الديني، وتجديد سبيل أم عباس، وفي الوقت نفسه، يطلق علينا، في ليلة الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، لسان المستشار مرتضى منصور، ينقط علينا بركة وعسلا، وفساتين سما المصري وشباشبها أيضا، وكأنهما "الدواء والبديل". فلماذا هذا الفرح النخبوي المدني المكايد، بكل لجانه ومن وسيم السيسي مرورا بخالد منتصر والممثلة كيداهم، وكان الأمر تنقصه "زغرودة" من حنك الست فيفي، كي تعلم تركيا وأردوغان أن السيدة صابرين خلعت الإيشارب، وصواريخها ستدك إسطنبول.
ماذا سيحدث مثلا لو تخلت سيدة مصر الأولى عن الإيشارب؟ وماذا سيقول الدكتور وسيم السيسي عن زوجة الفرعون، حينما تركته وحيدا على النيل، وغسلت شعرها في الماء، ثم خرجت على الكهنة بقميصٍ قصير من الكتان، وكان شعرها الأجعد مبلولا، والمكحلة في يد الوصيفة، ثم تناولت خرزة زرقاء، ووضعتها مكان "زبيبة الصلاة" للفرعون؟ فهل سيخجل الفرعون، لأنه ذاهب لصلاة العيد في القلعة صباحا، ووجب على الرعية، في ذلك اليوم المبارك، أن يروا "الزبيبة" في تمام عافيتها؟ وهل سيزعل الفرعون، ويطلب من وسيم السيسي أن يغيّر سيناريو القصة تماما في البرنامج، أم سوف يأمر شركات الإنتاج التابعة له أن تُعدّ مسلسلين للفنانة صابرين في رمضان المقبل؟