عن الحرب الأهلية في لبنان

عن الحرب الأهلية في لبنان

27 نوفمبر 2019
+ الخط -
بما أنه لا حدود لخبث السلطة في لبنان إلى درجة أنها مستعدة لشنّ حرب حقيقية لا مجازية ضد منتفضين مدنيين، وجب تشريح تلك العبارة التي راح ثنائي تحالف السلطة، حزب الله ومن ورائه حركة أمل، والتيار العوني يهوّلان بها منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي: الحرب الأهلية. 
منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية، ظل جواب المرتابين من نوايا ثنائي السلطة يتنقل بين نظريتين تنتهي الطريق بكلتيهما إلى أن لا إمكانية لاندلاع حربٍ يبدو المحذرون منها أكثر المتحمسين لها إلى درجة أنهم صاروا كالمريب حين يكاد أن يقول خذوني: الجواب الأول النافي لإمكانية حصول حرب أهلية، "علمي" جافّ آت من عوالم الرياضيات، لا يقيم وزناً لحكمة من نوع ما أظهرته انتفاضة 17 أكتوبر لجهة إمكانية أن يكون اللبنانيون مواطنين لا مجرد قطعان طوائف وقبائل. جواب يفيد بأن لا ظروف موضوعية ممكنة لاشتباك يعرف اللبنانيون "نموذجاً" عنه في الأعوام الخمسة عشر بين 1975 و1990. لا طرف مسلحاً ومدرباً ومجهزاً ليواجه حزب الله. ببساطة، المنطق يقول إن الحرب تحتاج إلى طرفين، بينما ليس هناك إلا جهة واحدة اليوم مجبولة بالحرب وقادرة على شنها، هي حزب الله طبعاً، فمن ترى سيقاتل حزب الله؟ يقاتل نفسه أم أشباح خصوم يريد أن يوهم ضعفاء العقول بأنهم قادرون على القتال، على غرار ما فعل في حربه الأهلية المصغرة التي شنها في السابع من مايو/أيار 2008 واحتلّ خلالها بيروت عسكرياً قبل أن يصطدم بمحدودية قوته العسكرية في زواريب وحارات جبل لبنان حيث تكبّد خسائر جُعلت رقماً في قائمة ضحايا الحرب تلك وقتلاها، والتي بلغت 80 تابوتاً في أيام ثلاثة؟ كل ذلك والجيش لم يتدخل طبعاً، لماذا؟ كي لا ينقسم. جيش يخشى منع حدوث حرب أهلية حتى لا ينقسم، فيترك الحرب تدور دورتها. بكل الأحوال، احتلّ حزب الله بيروت وقتها وظهرت بعد عشر سنوات النتيجة السياسية المباشرة لذاك الاحتلال بنيل مرشحه، أمين شري، أعلى عدد من الأصوات في انتخابات بيروت النيابية (ربيع 2018)، وشري شخصية مغمورة كان في تلك السنة مجرد نائب سابق شاءت نوايا حزب الله حينذاك أن يذل عبره سعد الحريري شخصياً. الجواب الثاني على تهديد حزب الله ــ التيار العوني بالحرب الأهلية، صدر ويصدر يومياً من يوميات الانتفاضة: تهددون بالحرب الأهلية ونجيب بمصالحة شعبية ــ مناطقية جعلت طرابلس تزور صور والبترون تتبادل المتظاهرين مع النبطية وجل الديب تؤازر صيدا والجميع يلتقون في النهاية في بيروت طبعاً. يثرثرون عن الحرب الأهلية فلا يجدي التخويف، بل تتضاعف مظاهر تجاوز الحالة الطائفية في يوميات الانتفاضة، وتسجل ساحات الاعتصامات جلسات حوارية تتخللها اعترافات غالباً ما تختتم بعهود عدم العودة إلى إسطبل الطوائف، وتتعمق اللحمة الطبقية، ويتمسك المنتفضون بالسلمية في وجه بلطجية سلطة حزب الله وحركة أمل والتيار العوني.
كانت حفلة التهويل بالحرب الأهلية بمثابة البيان رقم واحد في مانيفستو قتل الانتفاضة والعودة بعهد حزب الله إلى ما قبل 17 أكتوبر، على قاعدة إما يكون البلد بمؤسساته وبرلمانه وحكومته ورئاسة جمهوريته كما أراده حزب الله وكما عمل طيلة عقود ليكون، أو لا يكون البلد أصلاً. معادلة أسدية جديدة على وزن الأسد أو نحرق البلد مع تنويعات "وطنية" بسيطة. فشلت المعادلة، وقلة يعرفون من أين أتى المنتفضون بهذه القدرة على الصبر أمام الاعتداءات اليومية لشبيحة أخبرهم مشغلوهم بأن الحرب فعلاً "يوم مجيد من أيام المقاومة"، تيمناً بوصف حسن نصر الله حرب السابع من مايو 2008.
لا حرب أهلية في لبنان على الأقل للسببين آنفَي الذكر. لكن العدوان وارد. فإذا كانت الحرب تفرض وجود طرفين، فإن العدوان يكتفي بطرف مسلح واحد؛ اسألوا أهل العراق اليوم. أما المدنيون، فسيخبرنا القاتل غداً، أنهم مذنبون بلا شك، لأنهم لم يصدّقوا قول البطريرك في خريفه إن النظام لا يسقط في الشارع، ولم يقتنعو بنصيحة الهجرة، ولم يخشوا تهديد الأصبع ولم يرتعدوا أمام ابتسامات صاحبه.
أرنست خوري
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".
أرنست خوري