إسرائيل إذ تقارن بكوريا الشمالية وإيران

إسرائيل إذ تقارن بكوريا الشمالية وإيران

27 نوفمبر 2019
+ الخط -
لاحظ المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، كينيث روث، أخيراً، على خلفية تنفيذ الحكومة الإسرائيلية قرار طرد مدير مكتب المنظمة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، عمر شاكر، والذي أيدته محكمة العدل العليا، أن دولاً مثل كوريا الشمالية وفنزويلا وإيران ومصر طردت باحثين في المنظمة، إلا إن أيّ بلد ديمقراطي لم يقم بذلك. وقال إن من شأن ذلك أن "يُظهر الطبيعة التي تزداد تشدّداً للديمقراطية الإسرائيلية"، وأن دولة الاحتلال، على الرغم من إجرائها انتخابات وتمتعها بصحافة حرّة، تحاول قدر ما تستطيع كبح جهود تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي تجري في ظل الاحتلال القمعي والعنصري للأراضي الفلسطينية. 
ومن مفارقات دالّة أن طرد شاكر يتزامن مع مرور عقد ونيّف من الأعوام على حرب شعواء أعلنتها إسرائيل على منظمات حقوق الإنسان، وبالأساس الإسرائيلية، وتحدّدت بدايتها إثر صدور "تقرير لجنة غولدستون" على اسم ريتشارد غولدستون، وهو قاضٍ متقاعد في المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا وكبير المدّعين العامين السابق في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، وتولى رئاسة بعثة تقصي الحقائق التي أنشأتها الأمم المتحدة حول حرب "الرصاص المسبوك" الإسرائيلية ضد قطاع غزة في 2008- 2009.
توقف من أجّج تلك الحرب، في سياق تسويغها، عند حقيقة أن ذلك التقرير الذي جاء في 575 صفحة يحوي 1223 اقتباساً، ما يعادل النصف منها اقتباسات عن مؤسسات المجتمع المدني، وعديد منها إسرائيلية أبرزها منظمة "بتسيلم". وبموجب ما ذكر بعض هؤلاء، في عام 2001 ولد ما بالإمكان اعتباره بمثابة "عهد جديد"، برزت فيه 1500 منظمة تدعم حقوق الإنسان، وقرّرت أن تستغل حلبات القضاء الدولية المتعدّدة من أجل عزل إسرائيل عبر مقاطعتها أكاديمياً واقتصادياً.
ونجمت ولادة هذا العهد عن انعقاد مؤتمر برعاية منظمة الأمم المتحدة في ديربن (جنوب أفريقيا) في ذلك العام تحت شعار "ضد العنصرية وكراهية الأجانب"، تقرّر فيه أيضاً إطلاق نشاط سنوي باسم "أسبوع الأبارتهايد الإسرائيلي". وفي البيان الختامي للمنظمات غير الحكومية التي شاركت في المؤتمر ورد، ربما أول مرة، إنه يجب تبني "سياسة عزل كامل لإسرائيل بصفتها دولة أبارتهايد، وفرض عقوبات عليها ومقاطعتها، وقطع العلاقات بين دول العالم وإسرائيل".
ومع أن غولدستون نفسه نشر لاحقاً مقالاً في صحيفة واشنطن بوست الأميركية (في 1 /4/ 2011) أعرب فيها عن ندمه لما تضمّنه التقرير من إدانة لإسرائيل، فإن ذلك لم يعمِ الأبصار عن رؤية أن توحش السياسة الإسرائيلية لم يبدأ بذلك التقرير. هذا فضلاً عن أن التقرير كان نتاج عمل لجنة أممية كاملة، وحتى لو تحفّظ أحد أعضائها من صيغته فإنه يبقى ساري المفعول، علاوة على أن هذا التحفظ لا يشطب القيمة الحقيقية للتقرير، والتي تظل على نحو رئيسيّ كامنةً في تأديته إلى اهتزاز صورة إسرائيل في العالم كافة، وخصوصاً في العالم الغربي الذي تتباهى بالانتماء إليه، وبكلمات أشدّ دقة تأديته إلى تدهور هذه الصورة، نحو حال أفضت إلى مقارنتها بدول مثل كوريا الشمالية وإيران.
ومنذ ذلك الوقت، تتخذ الحرب الإسرائيلية على منظمات حقوق الإنسان منحيين متصلين: محاصرة الرؤية العالمية بشأن حقوق الإنسان التي تتبناها هذه المنظمات؛ وإقامة منظمات يمينية تتبنّى خطاب حقوق الإنسان فيما يخصّ المستوطنين الكولون. وظهرت المؤشرات الأولى إلى هذه الظاهرة في مطلع الألفية الثانية، ونالت دفعة إلى الأمام في عام 2005 عقب إخلاء قرابة ثمانية آلاف مستوطن من قطاع غزة في نطاق تنفيذ خطة الانفصال أحادية الجانب، إذ بدأت منظمات يمينية تلجأ إلى أزعومة إن إخلاء مستوطنين يهود من بيوتهم بالقوة يُعتَبر مخالفاً لخطاب حقوق الإنسان. ووجدت هذه الأزعومة دعماً لها، حين وصف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إمكان إخلاء مستوطنين آخرين من الأراضي الفلسطينية بأنه بمثابة "تطهير عرقي"!