قبل أن يحترق محمد علي

قبل أن يحترق محمد علي

25 نوفمبر 2019
+ الخط -
يبدو أن الفنان والمقاول المصري، محمد علي، يخطو بقدميه نحو المحرقة التي تأكل الساسة، خصوصاً المعارضين، في دول العالم الثالث. فقد اتجه، في الأسابيع الماضية، إلى دائرة العمل السياسي كمعارض لنظام الحكم الحالي في مصر. لينضم إلى عشرات بل مئات المعارضين السياسيين المقيمين في الخارج، ليس بآليات جديدة أو منهجية مختلفة، وإنما بمنهجهم وأدواتهم.
كان ظهور محمد علي مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الماضي صادماً للجميع في مصر، سلطة ومعارضة، مُسيسين ومواطنين عاديين، لأنه فتح ملفاتٍ مجهولة عن قيادات ومؤسسات سيادية، وكشف خبايا عن تفاصيل العمل وقواعده في بعض أنشطتها، مثل قطاع الإنشاءات والبنية الأساسية. ولكن أبرز مفاجآت محمد علي أنه وجه ضربات مباشرة تشوه الصورة الذهنية المثالية المرسومة لتلك القيادات. سواء على مستوى المؤسسة التي ينتمون إليها، أو على مستوى أسماء ومناصب ومصالح الأشخاص القيادية أنفسهم، موثقاً ضرباته بمعلوماتٍ عن وقائع وأرقام وأماكن مشروعات محددة وإنشاءات قائمة.
وكانت بساطة محمد علي وتلقائيته وسماته الشخصية القريبة جداً من المواطن المصري العادي البسيط سبباً مباشراً في حالة الانجذاب العامة له، ولتسريباته غير المسبوقة، خصوصا أنه لم يدع المثالية، بل أقرّ بأنه شريك في الفساد الذي يخرج الآن ليفضحه. غير أن محمد علي لم يستمر على النهج الفضائحي الذي يستهوي المصريين ويستثيرهم في آن. وانكشاف الفساد كفيل باستفزاز المصري وإثارة حميته، إذا تعلق بقوت يومه وأموره الحياتية، فكان هذا التراجع محبِطاً، واستنفد كثيراً من رصيد محمد علي في الشارع المصري، خصوصا أن النبرة المتحدّية التي طغت على فيديوهاته الأولى أوحت بأن في جعبته فضائح كثيرة وقنابل أقوى من التي فجرها بالفعل. ولكنه، بدلاً من تلبية تلك التوقعات، غيّر مساره تماماً، فاتجه إلى إجراء حوارات إعلامية متتالية، من دون تقديم جديد فيها وبلا مبرّر واضح. وغير مضمون خطابه ومحتوى رسالته، من كشف الفساد وفضح أوجه الخلل الخفية، والطعن في كفاءة وعدالة إدارة المؤسسة العسكرية لأعمالها العقارية، إلى ضرورة تغيير شخص الحاكم والتشكيك في مشروعية حكمه، وإثارة قضايا الحريات والعدالة والاستبداد وسوء الإدارة والمشاركة الشعبية والتفاوت الطبقي وغياب العدالة الاجتماعية. وكلها قضايا مهمة وجوهرية، وتمس مباشرة صميم الوضع الداخلي المتردّي الذي تعيشه مصر حالياً. لكنها لم تكن أبداً محل اهتمام محمد علي، ولا هي محل اهتمام معظم المواطنين المصريين العاديين. بالتالي، لم تكن بالمرة مصدر قوة محمد علي أو تميزه وشعبيته.
شهدت "موجة" محمد علي مزيداً من الانحسار، بارتكابه مزيداً من الأخطاء، من أبرزها التواصل مع معارضين مصريين في الخارج، والانسياق وراء ما قال إنه دعوات ومطالب وجهت إليه، بالعمل على التنسيق بين المجموعات المعارضة. ثم أكمل هذا التحول الجذري، بإعلانه أنه سيتحرّك بين العواصم الأوروبية لحشد موقف دولي يسمح بالتخلص من رأس الحكم في مصر. وهي الخطوة نفسها بحذافيرها التي قام بها قيادات جماعة الإخوان المسلمين من دون جدوى، بعد 3 يوليو/ تموز 2013. وإضافة إلى ضعف كفاءة محمد علي وقدراته السياسية، إذ لا خبرة سابقة له في السياسة والعمل العام، الأهم، أن الانحراف عن مساره الأصلي أسلوباً ومضموناً، أفقده ميزاته التي جعلت منه "بطلاً" ورمزاً.
وأياً كانت أسباب عجز محمد علي أو امتناعه عن الاستمرار في كشف المستور، فإن التوقف والاكتفاء بما حققه، ربما أكثر جدوى له ولمصر من القفز في أتون العمل السياسي التقليدي، فيحرق نفسه بنفسه.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.