إيران.. الربيع يأتي متأخراً

إيران.. الربيع يأتي متأخراً

22 نوفمبر 2019
+ الخط -
تبدو إيران مثل كوكبٍ معزولٍ، لا تتأثر بما يحصل في الكون. ومنذ وصول رجال الدين إلى الحكم عام 1979، تغير العالم عدة مرات، ولكن الجمهورية الاسلامية بقيت في مكانها ثابتة لم تتقدم أو تتراجع. ظلت الوجوه نفسها على مسرح السياسة، على الرغم من تعاقب الأحداث ودخول البلد في حروبٍ ومواجهات خارجية كبيرة، من أهمها الحرب مع العراق التي دامت ثماني سنوات، وكلفت البلدين خسائر بشرية ومادية لا تزال آثارها ماثلة. 
لم يتزحزح حكّام إيران من مكانهم، مع أن التحديات الخارجية والداخلية كانت كبيرة، وتفرض تغييرات كبيرة، وخصوصا على الصعيدين، السياسي والاقتصادي، إلا أن الصمود على هذا الحال لم يكن من دون ثمن وفاتورة عالية دفعها الشعب الإيراني الذي أضاع من عمره 40 عاما، ولم يستفد من موارده الاقتصادية الكبيرة التي هدرها الحكام في حروبٍ ومغامراتٍ خارجية لا طائل منها، بل تجاوز ضررها إيران وشعبها إلى العالم العربي، حيث تتحمّل إيران مسؤولية مباشرة عن خراب أربعة بلدان عربية، العراق، لبنان، سورية، اليمن، كما أنه بسببها تعيش منطقة الخليج توترا وحالة استنزاف مستمرة، أدت إلى بطء في عجلة التنمية بسبب إغراقها في سباق تسلح ومواجهات.
صحيحٌ أن وضع إيران الداخلي لم يتغير، إلا أنه لم يستقر، وعاش البلد هزّات كبيرة، أهمها الثورة الخضراء التي تفجرت بسبب التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 التي تنافس فيها أحمدي نجاد ومير حسين موسوي. وفي حينه، تدخلت الأجهزة لتغليب كفة نجاد وتوجيه ضربة كبيرة إلى التيار الإصلاحي الذي مثّله موسوي ومهدي كروبي. ولم يتم التحفظ فقط على هذين الرمزين، ووضعهما في الإقامة الجبرية التي ما زالا فيها، بل جرى توجيه ضربة كبيرة للتيار كله، وتم تشتيت شمله.
اليوم يتحرّك الوضع في إيران أكثر مما حصل في مرّات سابقة خلال العامين الماضيين. وتأتي الأخبار الشحيحة بتفاصيل تؤكد أن الشارع الإيراني يريد الخلاص من الوضع الراهن. وعلى الرغم من أن الحراك الحالي يأتي على خلفية اقتصادية بسبب رفع أسعار البنزين، فإن انتشاره على رقعة واسعة يدل على أنه يتبنّى مطالب أشمل ذات صبغة سياسية واقتصادية، وإلا لما كانت الهتافات تدين تدخلات السلطة في غزة ولبنان واليمن وسورية والعراق. ومهما يكن من أمر، لا يمكن فصل الحراك الإيراني عما يحصل في لبنان والعراق منذ أكثر من شهر، ولم يعد خافيا أن أحد أهداف الانتفاضتين فيهما الخلاص من النفوذ الايراني في البلدين.
وبالإضافة إلى تأثر الشارع الايراني بالحراكين، اللبناني والعراقي، فإن الوضع الاقتصادي الراهن يشكل ورقة ضغط كبيرة بيد المتظاهرين. وعلى خلاف المرات السابقة، ليس لدى السلطات الإيرانية ما تقدمه سوى العنف، بعد أن بلغت العقوبات الدولية مرتبة متقدمة جدا. وحتى لو نجح الحكم في إخماد الحراك الشعبي، فإنه غير قادر في المدى المنظور أن يقدم حلولا للمصاعب الاقتصادية التي تفاقمت جرّاء العقوبات التي تزداد حدة شيئا فشيئا، وستصل إلى مستوى في العام المقبل تصبح فيه إيران عاجزة عن تصدير منتوجها من النفط والغاز.
وكلما ارتفع زخم الحراكين في لبنان والعراق، وحقق نتائج إيجابية، خسرت إيران من رصيدها في الداخل. وقد تضطر إلى الانكفاء من مواقعها في العراق ولبنان وسورية واليمن كي تواجه الحراك في الداخل، وسوف تسهم خسارتها في العالم العربي في تخفيف سطوتها الداخلية، الأمر الذي يرفع من معنويات الشارع الإيراني ويشجعه على تصعيد مطالبه. ومن هنا، لن يمر ما يحصل في إيران مرور الكرام في ظل شرق أوسط يعيش انتفاضات شعبية ضد الأوضاع المزرية التي تتحمّل إيران مسؤولية كبيرة عنها.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد