لا مؤاخذة.. مالها غزة؟

لا مؤاخذة.. مالها غزة؟

19 نوفمبر 2019
+ الخط -
لا مؤاخذة، مالها غزة؟ قصيدة لطيفة لشاعر مصري واعد، هو أحمد الطحّان، كتبها تعليقا على العدوان الإسرائيلي الذي تعرّضت له غزة في العام 2012 وغنتها فرقة "عمدان النور"، والأغنية سخرية سوداء من تصريحاتٍ رآها الشباب في حينها عنترية حنجورية لا تسمن ولا تغني من قصف على غزة يحصد الأرواح، فيما يكتفي الساسة العرب بالتنديد والشجب الذي علا صوته وقتها على خلفية ثورات الربيع العربي، ولكن من دون أثر حقيقي في اتجاه إيقاف ما يحدث، ظلت غزة وحدها، إلا من بعض التعاطف المجاني. كانت الأغنية تسخر من الرئيس السابق محمد مرسي الذي راسل شيمون بيريز في خطاب رسمي يحمل من مشاعر الحب والدفء أكثر مما يحتمل المقام، مستخدما كلمة "عزيزي"، وعبارات أخرى تنم على المودة والتعاون المشترك، وهو الخطاب الذي أثار، وقتها، موجة من الغضب والاستنكار، والسخرية من سابق عهد الإخوان المسلمين وخطابهم حول القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من تصريحات مرسي الشجاعة وقت القصف إنه لن يترك غزة وحدها، وإن المصريين والعرب والمسلمين ليسوا كسابق عهدهم، في إشارة إلى ما ينبغي للثورات العربية أن تحدثه من أثر سياسي، إلا أن "الشباب" في ذلك الحين، كانوا ينتظرون فعلا سياسيا حقيقيا، فلم تعد الخطابات الحماسية، بالتزامن مع خطابات الود والمعزة، كافية لتسكين الغضب الشعبي، من ناحية، وإعلان الولاء السياسي من ناحية أخرى، كما لم تعد هذه الصيغ التلفيقية مناسبةً لسقف طموح شباب الثورة المصرية وأخواتها! 
واليوم، رحل مرسي، رحمه الله، سبقته ثورات الربيع، وجرى الانقلاب على التجربة كلها، ومعاقبة الشعوب ونخبها السياسية، عقابا جماعيا، على تطلعاتها غير المشروعة للخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وساهمت إسرائيل بدورها في وأد التجربة، من دون إغفال لدور النخب السياسية العربية التي أدارت المشهد، وهو ما يتباهى به نتنياهو اليوم في خطاباته، غير عابئ بحرج سياسي قد يتسبب به لأصدقائه وحلفائه المخلصين في قصور الحكم العربية، فالأنظمة التي كانت تستمد جزءا من شرعيتها بصيغ شجب أو إدانة أو ممانعة، ظاهرية، للاحتلال الإسرائيلي، ودعم "المقل" للمقاومة الفلسطينية، لم تعد تعبأ، فلا حاجة لها لشرعية غير السلاح الذي تسلطه على رقاب مؤيديها ومعارضيها على السواء، كما أنه لا حاجة لاسترضاء الشعوب أصلا، فقد تولى إعلام "الدولة الوطنية" أمرها، ولم تعد تسمع بغزة سوى عرضا، في المناسبات، على شاشات "قطر العميلة"، والقنوات الأجنبية التي تحقد علينا وتغار منا!
الاجتياح الإسرائيلي لغزة، 2019، بدأ بعد ساعات قليلة من اتفاق "الهدنة" بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال، غارة جوية، استهدفت مواقع للمقاومة الفلسطينية جنوبي القطاع، اغتالوا بهاء أبو العطا، القيادي في "سرايا القدس" (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) قتلوه وقتلوا زوجته، وقتلوا معهم 34 شهيدا من بينهم ثمانية أطفال وثلاث نساء، وأكثر من مئة مصاب. (حتى كتابة هذه السطور).
هذه المرة، لا توجد إدانة عنترية على طريقة مرسي، أو باردة معلبة، سد خانة، على طريقة حسني مبارك، لا مظاهرات في الشوارع العربية، (المتظاهرون في السجون)، لا في الجامعات، ولا في النقابات. المظاهرة الوحيدة في منطقتنا خرجت من "تركيا العميلة" واستهدف المتظاهرون الغاضبون سفارة الكيان الصهيوني، ورشقوها بالحجارة، وطالبوا بطرد السفير، وقطع العلاقات. المدهش، والجديد هو ظاهرة تأييد الكيان الصهيوني التي شهدتها بعض الحسابات العربية على مواقع التواصل، ناشط سعودي ظهر في فيديو مؤيدا إسرائيل ودعا لبنيامين نتنياهو أن ينصره الله على "الإرهاب". أعلن آخرون في مصر السيسي بوضوح، وبجاحة، عن عدم تعاطفهم مع غزة، وقالوا إن الأمر كله لا يعنينا. الصور التي تناقلتها وكالات الأنباء لمتعاطفين أغلبها لمواطنين أوروبيين وأميركيين لم ينجح إعلامهم في تحويلهم إلى "عرب"، فظلوا يحتفظون بالحد الإنساني الذي يسمح لهم بالتعاطف غير المشروط مع "بشر" يُذبحون. أما المواطن العربي فقد غاب إلى درجة أنه لم يعد يسأل، ولو على سبيل السخرية من ساسته: مالها غزة؟ ذلك لأنه يعيش يوميا في ألف غزة، فـ "لا مؤاخذة".