"داعش".. العائدون إلى أوروبا

"داعش".. العائدون إلى أوروبا

17 نوفمبر 2019
+ الخط -
لم يتبخّر جنود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وتبيّن أنهم يمتلكون كياناً حقيقياً ومنظماً لديه اطلاع واسع على تكتيكات التراجع العسكري. وقد تمكّنت أميركا، قبل أيام، بعملية عسكرية خاطفة، من قتل الخليفة أبو بكر البغدادي الذي كان يتمتع بشخصيةٍ شبحيةٍ، انتشرت عنها معلوماتٌ وشائعاتٌ كثيرة. أما المجندون الذين جذبتهم الشعارات الإسلامية فتركوا بلدانهم وتمتعوا بلقب "مهاجر"، لكنهم عانوا تقهقراً عسكرياً قبل سنتين، حتى وجدوا أنفسهم أسرى عند المنظمات الكردية التي سيطرت على الشمال الشرقي السوري بفضل دعم أميركي واسع. ارتبك الكرد أمام الأعداد الكبيرة من جنود التنظيم الذين استسلموا أمامهم، فما كان منهم إلا حشرهم على عجل في معسكرات جماعية، وسلمت أعدادٌ منهم إلى الجانب العراقي، خصوصا من يحمل منهم الجنسية العراقية. أما الذين لديهم جوازات أوروبية وأميركية، فقد حارت المنظمات الكردية بما ستصنعه معهم، فلا هي تمتلك القدرة اللوجستية على الاحتفاظ بهم، وليست لديها القواعد القانونية لمحاكتهم، ومن ثم استيعابهم، فضلاً عن التكاليف الباهظة لتوفير برامج لإصلاحهم وإعادة تثقيفهم، فتم تأجيل مسألة التعامل الجدّي مع المشكلات الناتجة عن وجودهم، واحتُجِزوا خلف أحزمةٍ من الأسلاك الشائكة، ولكن ما جعل المسألة ذات شكل إنساني وجود زوجات هؤلاء المقاتلين وأطفالهم معهم، فصار الإبقاء عليهم محرجاً أخلاقياً.
أعيد طرح المشكلة بشكل ملح أكثر لمّا بدأت العملية العسكرية التركية في الشمال السوري قبل أكثر من شهر، فقد نجح بعض المحتجزين بالفرار، وبعضهم تم إطلاق سراحه بشكل متعمّد من التنظيمات الكردية، أو نتيجة نقص الحراسة على السجون، بسبب انخراط أعداد أكبر من المليشيات في العمل العسكري، ما سهّل عملية تسلل بعض المحتجزين من معسكرات الاعتقال، وخصوصا أن أكبر هذه المعسكرات يقع في داخل المنطقة التي تنوي تركيا الدخول إليها، والمعسكر الآخر في عين عيسى التي تحاذي "المنطقة الآمنة" التركية. وقد تؤدي الفوضى في المنطقة الشرقية إلى اتساع الخرق، وتسلل مزيد من هؤلاء العناصر التي يصنّف بعضها بأنه شديد الخطورة، وإن نجح هؤلاء بالتجمّع من جديد سيعيدون تشكيل بؤر وخلايا تهاجم مناطق متعدّدة من العالم، أو تقوم بتنظيم عمليات عسكرية تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في أماكن جديدة، تشكل بيئة مناسبة لتوسع هذا التنظيم. أما الخوف الأوروبي، فيكاد ينحصر في نجاح الأوروبيين منهم بالعودة إلى بلدانهم الأصلية. ومن هناك، قد تبدأ هذه العناصر حروبها الداخلية المتفرّقة التي تقلق المجتمع الأوروبي، وهو المجتمع الذي فشل في منع هؤلاء، حين قرّروا الهجرة بهدف الجهاد في سورية، وأدار ظهره أو تعامى عن المشكلة، عن طريق إجراء إداري بإلغاء جنسيتهم. وهكذا ببساطة أصبح معظمهم من دون جنسية، ولا مسؤولية قانونية على الدولة التي قدِم منها، وهو حلٌّ يتناقض بشكل واضح مع سياسات الهجرة المتسامحة التي قبلت بموجبها أوروبا آلاف اللاجئين من الدول الأخرى.
قد يكون من الخطورة بالفعل عودة هؤلاء دفعة واحدة إلى مجتمعات أوروبا، وبعضهم قد تمسّك بالتنظيم، وحافظ على أفكاره، حتى لحظة التلاشي في منطقة غرب الفرات. لذلك ستكون العودة منظمة عبر إجراءاتٍ يمكن الاتفاق عليها، وسيتم التعرف إلى كل هؤلاء بدقة. وقد يصاحب كل منهم ملف يلخص دوره الجهادي في التنظيم، والنقاط الأساسية في مسيرته، ما قد يسهل التعامل معه مستقبلاً في دولته الأصلية. تضمن سياسة العودة المفترضة عدم تسرب المقاتلين من جديد، وإعادة تشكيل أنفسهم. وتمتلك أوروبا برامج لإعادة تأهيلهم، وستطور خططاً لاستيعاب العائدين مرة أخرى. ولن تجد الحكومات التي أظهرت وجهاً إنسانياً تجاه جموع المهاجرين إليها من دول تعاني حروباً وكوارث، في نهاية المطاف، مهرباً من الاعتراف بمواطنيها واستيعابهم، ومحاولة إعادة تأهيلهم.