بخصوص الـ50 دولاراً

بخصوص الـ50 دولاراً

17 نوفمبر 2019
+ الخط -
في بداية الثورة السورية، زَعَمَ الإعلام الأسدي أن ممول المظاهرات هو الأمير بندر بن سلطان. وفي الأمس، غَيَّرَ بشار الأسد النغمة، فقال إن كل متظاهر سوري كان يقبض 50 دولاراً من قطر، لقاء اشتراكه في كل مظاهرة. فيما يلي مقطع من رواية "أبو دياب يتكلم في الأفراح": 
سيحكي أبو دياب لأمه عن لقائه الطويل مع النقيب معاون مدير السجن المركزي الذي يحكي مع المعتقل، وعيناه تذهبان يمنةً ويسرةً نحو رُتبتيه، وكأنه يخاف أن يَدخل أحدُ الناس ويختطفهما عن كتفيه ويهرب، وكيف أنه حقق معه طويلاً ثم أمره بالانصراف، فذهب إلى مهجعه وهو يتنفس الصعداء. وبينما هو يقلد طريقة النقيب في الكلام أمام زملائه في المهجع، وهم يضحكون، إذ جاء حاجبُ النقيب، ليبلغه بضرورة مراجعة النقيب مجدداً، فذهب إليه وهو يحدّث نفسَه متسائلاً عن سبب الاستدعاء للمرة الثانية، فالاستدعاء الأول نفسه لم يكن له لزوم، ولم يخرج منه الطرفان بزبدة. وحينما وقف أمام النقيب، راح يمارس عليه سياسة الشد والجذب و"التفقيع" التي يُجيدها، وما هي إلا بضع دقائق، حتى تَوَتَّرَ الجو بينهما، وبلغ النقيب قمة الغضب، وهَمَّ بضربه، ولكن "أبو دياب" عاجله بالقول:
- طول بالك يا "حَجّي". في عندي كلام نسيت ما قلك ياه.
فزفر النقيب، وقال له: إنته شو ولاك؟ خويتة؟ مرة بتقلي أستاذ ومرة بتقلي حَجّي؟ ما بتعرف تقول سيدي؟ قلي تا أشوف، عن شو بدّك تحكي لي؟ فأخفض أبو دياب صوته، وقال: عن تنظيم المظاهرات. انفرجت أسارير النقيب، وقال: عظيم. تعال اقعودْ واحكي لي. وسحبه من يده، وأجلسه على كرسي بجوار مكتبه، وقال: تفضل.
قال أبو دياب: بدّي إحكي لكْ عن تنظيمْ المظاهراتْ، والألفينْ ليرة سورية اللي عم تندفعْ لكل متظاهر. برأيي، إنه هالموضوعْ مهم كتير، وفي إلُه جانبين.. الأول إنه المبلغ مُغْري لدرجة لا تُقاوَمْ. تْخَيَّلْ إنك بتطلع من بيتك بتلاقي المظاهرة ماشية، بتدحشْ حالك بين هالناس، وبتصيح كَمْ صوتْ، وبتاخد ألفين ليرة وبتمشي (وأخفض صوته وصار يحكي بطريقة رهيبة). الإنسانْ، يا حَجّي، ممكن يعيش سبعين تمانين سنة ويموت وما يحسن يوفر ألفين ليرة. والجانب التاني هو الحياة، الحياة يا أستاذ، عفواً، يا سيادة النقيب، تافهة كتير، ممكن الواحد يزتّ حاله عَ الموت لأي سبب، فكيف إذا كان في سبيل هدف سامٍ هوّ الحصولْ على ألفين ليرة؟
صرخ النقيب: ولاه أنت شو عم تحكي؟ الألفين ليرة مبلغ كَيِّسْ؟
قال أبو دياب، بلهجته التي تظهر وكأنها جادة: طبعاً، والدليل إنه نحن اللي كنا نطلع مظاهرات في الأول كنا نصيح "اللي ما بيشاركْ ما في ناموسْ"، ولما بلشت الألفينات تجينا من "عمو بندر" اضطرينا نغيرْ الهتافْ، وصرنا نقول "اللي ما بيشارك ما في ألفين". صرخ النقيب: اخراس بقى ولاك. بالله إنه حديثك ما حدا بيفهمُه.
وخرج من وراء مكتبه، وتقدم من أبو دياب وقال له: ليك ولاه حيوان، يا بتحكي معي متل الخلق يا إما بشرفي بساويك تسلايتي. قال أبو دياب: طيب. كرمى لك راح إحكي متل الخلق. شوف، يا خيو، اللي صار في البلد عبارة عن انفجارْ كبيرْ ضد الظلم والنهب والمحسوبيات وسيطرة العسكر والمخابرات على الناس، وبحياته ما كانْ في مؤامرة. وهاي قصة الألفين ليرة وبندر بن سلطان كلها كذب وعلاك حاشاك...
ووقتها صُعِقَ النقيب، ورن الجرس، فظهر اثنان من العسكر، يقف وراءهما اثنان آخران، غمز بعينه لأحدهم، فتقدّم منه حتى أصبحت أذنه أمام فمه، همس له بكلام، فقال العنصر وهو يخبط قدمه بالأرض للتحية: حاضر سيدي. وسحب "أبو دياب" من يده إلى الممر، وأغلق الباب، وبدأت ولاويل "أبو دياب" تملأ المكان.

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...