الاغتيالات نهجاً إسرائيلياً

الاغتيالات نهجاً إسرائيلياً

16 نوفمبر 2019
+ الخط -
يؤكد اغتيال إسرائيل القائد العسكري في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بهاء أبو العطا، في قطاع غزة، واستهداف القيادي في الحركة أكرم العجوري في دمشق، في اليوم نفسه أخيرا، رسوخ سياسة الاغتيالات بعد إنشاء إسرائيل في العام 1948 عند قادتها، سيما وأنهم شاركوا في اغتيالاتٍ عديدة، ومنهم من تبوأوا منصب رئيس وزراء إسرائيل، شامير رابين وشارون وبيريز وبيغن، وانضووا في العصابات الصهيونية، الهاغانا وشتيرن والأرغون وغيرها. ومن ذلك قبل عام 1948 التفجيرات في الأسواق العربية، في حيفا ويافا والقدس، واغتيال الوسيط الدولي الكونت برنادوت في القدس في سبتمبر/ أيلول 1948 بسبب صياغته تقريراً للأمين العام للأمم المتحدة يدين إسرائيل، ويحملها تبعات النكبة الكبرى. 
وحفل تاريخ إسرائيل بملاحقة شخصيات عربية وفلسطينية واغتيالها، ليس في العواصم العربية، مثل تونس وبيروت، فحسب، وإنما في أي مكان. وقد تبنت نهج الاغتيالات كل الحكومات الإسرائيلية منذ 1948. ‏والثابت أن سياسة الاغتيال لم تكن مقوننة في إطار القانون الإسرائيلي المزيف، إلا أن الحقائق باتت راسخة بعد جريمة اغتيال مؤسس حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين فجر 22 مارس/ آذار عام 2004، وإشراف رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون بنفسه عليها، لجهة قوننة تلك السياسة الإسرائيلية إزاء الشعب الفلسطيني ورموزه.
النمط الإسرائيلي من الاغتيالات، منذ انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية في نهاية سبتمبر/ أيلول من عام 2000 غير مسبوق، وبلغ ذروته باغتيال القادة الفلسطينيين الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أبو علي مصطفى، والشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي. ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي، عوزي بنزيمان، أن عمليات الاغتيال التي اتُخذت قراراتها من أعلى الهرم السياسي تنتج ظروفاً تحفز إسرائيل على استئناف عملياتها العسكرية، وتسرع دائرة العنف بعد مرور فترة وجيزة من الهدوء مع الفلسطينيين. ‏وقد صدر قرار مباركة عمليات الاغتيال الإسرائيلية وقوننتها عن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر في 3 يوليو/ تموز 2001، أي بعد أقل من عام على انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وقد أشار إلى مواصلة سياسة 
الاغتيالات والتصفيات ضد النشيطين الفلسطينيين. وذهب المجلس المذكور إلى أبعد من ذلك، حيث أكد، في الأول من أغسطس/ آب من العام نفسه، أنه قرّر إتباع السياسة المذكورة، وليس هناك أحد من الفلسطينيين محصّناً أمام الاغتيال. وفي الاتجاه نفسه، كان نائب وزير الحرب الأسبق، أفرايم سنيه، قد أعلن مرات أن الاغتيالات والتصفية الجسدية للفلسطينيين وسيلة فاعلة وأكثر دقة من غيرها. وزعم الرئيس الإسرائيلي الأسبق، موشيه كاتساف، في أكثر من مناسبة، أن اغتيال كوادر فلسطينية يندرج في إطار الدفاع عن النفس.
وقد أدارت إسرائيل ظهرها لكل قرارات الشرعية الدولية، بل اغتالت هذه الشرعية نفسها في اغتيال ممثلها الوسيط الأممي في فلسطين، الكونت برنادوت في القدس بعد إنشاء إسرائيل بأربعة أشهر. وتعتبر عملية اغتياله اغتيالا للحقيقة، حيث سعى إلى إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة، تتضمن توصيفا دقيق للممارسات الصهيونية وعمليات الطرد التي طاولت آلاف العرب من قراهم ومدنهم في أنحاء فلسطين.
إضافة إلى الأبعاد السياسية المختلفة لها، تندرج عملية اغتيال إسرائيل بهاء أبو العطا في إطار قوننة عمليات اغتيال القادة الفلسطينيين واستهدافهم، خصوصا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أشرف على الجريمة بعد توصيتين من رئيسي هيئة الأركان العامة للجيش ورئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) بتنفيذها، وصادق عليها رئيس الوزراء ووزير الحرب، بعد عرضها على المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية الذي أقرّها. وتبعاً لذلك، باتت الضرورة تتطلب تشكيل مكتب إعلامي عربي دائم في إطار مؤسسات جامعة الدول العربية، يضم باحثين عربا في الفلسفة وعلم الاجتماع، وإعلاميين متمرّسين وحقوقيين لفضح شخصية إسرائيل الحقيقية وممارستها اللاإنسانية والإرهابية ضد الشعب الفلسطيني، وثمّة إمكانات متوفرة، لكنها مشتتة ويمكن تجميعها.