الدوحة والأزمة الخليجية

الدوحة والأزمة الخليجية

15 نوفمبر 2019
+ الخط -
حين تم اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية ليل 24 مايو/ أيار 2017، كان الغرض الرئيسي من العملية تقويض التجربة القطرية التي قدمت نموذجا فريدا في منطقة الخليج العربي، عنوانه الاستقلالية وسط تجاذبات القوى الإقليمية والدولية ونزاعاتها. وبعد فترة قصيرة من العملية البوليسية التي تمت انطلاقا من أبوظبي، اتضح أن هناك مخططا سعوديا إماراتيا لعمل عسكري ضد قطر، ولكن حسابات الرياض وأبوظبي أساءت التقدير، الأمر الذي أفشل الخطة منذ اليوم الأول. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أن الدوحة واجهت الهجوم الاستخباراتي السياسي الإعلامي برباطة جأش، وامتصت الصدمة الأولى بسرعة شديدة. ولهذا فات على الطرفين، السعودي والإماراتي، استخدام عنصر المباغتة من أجل تحقيق الاختراق الأول. وعلى هذا الأساس، فشلت كل الخطط التي جرى وضعها، وسقطت تباعا على الرغم من أن الدوحة عانت بشكل كبير من الحصار الاقتصادي. وكان فرض الحصار البري والجوي ذا مفاعيل سلبية كبيرة، ألحقت أضرارا اقتصادية، قبل أن تتمكن قطر من إيجاد البدائل المناسبة لتجاوز الحصار. 
لم تخسر الدوحة وحدها من جرّاء زج المنطقة في أتون هذه الأزمة، بل تضرّرت معها دول مجلس التعاون الذي تلقى ضربة كبيرة، وتحول من بيتٍ للعمل الخليجي المشترك إلى كيان مشلول بلا نشاط، على الرغم من محاولات أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، الحثيثة، من أجل تطويق الأزمة، ومنع تفاقمها والحد من انعكاساتها السلبية على العمل الخليجي المشترك. وكلما تقدّم الوقت، ظهرت نتائج الأزمة أكثر فأكثر. ولا مبالغة في القول إن الأزمة شدّت من عصب قطر، وأضعفت السعودية والإمارات، وهذا ما سوف تكشف عنه الفترة المقبلة بوضوح شديد. ومن يزور الدوحة هذه الأيام، ويسير في شوارعها، ويتحدّث مع أهلها والمقيمين على أرضها، يدرك جملة من الوقائع. الأولى: تجاوزت قطر كليا مفاعيل الحصار الذي فرضته عليها السعودية والإمارات منذ الخامس من يونيو/ حزيران 2017، وباتت تسير في طريق الاكتفاء على صعيد جميع السلع التي كانت تستوردها من السعودية والإمارات، وفي أغلبها من المواد الغذائية التي تم منعها عن الدوحة في شهر رمضان وفي فصل الصيف. الثانية: باتت الدوحة واثقة أكثر من خياراتها السياسية التي كانت عليها عشية الأزمة، وتأكد لها صدق النهج الاستقلالي الذي تبني عليه تجربتها في المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية، وجاءت كلمة الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في افتتاح مجلس الشوري، يوم الخامس من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، لتؤكد على خطاب قطري ذي رؤية واضحة للحاضر والمستقبل، ويستند إلى سياسات مدروسة وواعية لمكانة قطر ودورها في محيطها الإقليمي. ولذا حظي الخطاب بمتابعة واهتمام شديدين، وحمل رسائل كثيرة موجهة للداخل والخارج. الثالثة: استفادة قطر من تجربة الحصار، والخروج بخلاصاتٍ ودروس يتم توظيفها في استراتيجيات المستقبل، ومنها في المقام الأول تعزيز خيار الاستقلالية وتقوية الذات، وهذا أمرٌ ينعكس في التخطيط السياسي والاقتصادي والعلمي، ولذا سوف نشهد في الفترة المقبلة نقلاتٍ نوعيةً تؤهل قطر لتصبح من الدول المحورية في المنطقة، وهذا سوف يتبلور أكثر بعد نهاية مونديال 2022، وضمن رؤية 2030، وذلك على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والتحديث، بما يلبي احتياجات الجيل الحالي والأجيال اللاحقة.
باتت مفاهيم السيادة والاستقرار في صميم برامج العمل وخطط المستقبل بالنسبة لصانع القرار في قطر، والذي أدرك أن غرض العملية السعودية الإماراتية في مايو/ أيار 2017 كان يرمي إلى وضع اليد على هذا البلد الصغير الغني، وتقويض تجربته الفريدة، وضرب خياره المستقل. ومن هنا، كان الرد بتجاوز الأزمة، إلى تعزيز التجربة الخاصة، وتسليحها بأسباب التطور والبقاء.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد