هبة اللبدي وجسر العودة الرهين

هبة اللبدي وجسر العودة الرهين

11 نوفمبر 2019

أردنيون وإسرائيليون يناصرون اللبدي أمام سجن عوفر (28/10/2019/فرانس برس)

+ الخط -
وردت أخبار وآراء ومواقف متضاربة كثيرة في قصة الأسيرة المحرّرة هبة اللبدي، التي شهدت فترة احتجازها الإداري في سجون الاحتلال الإسرائيلي تضامنا شعبيا ورسميا كبيرين في الأردن. وانشغلت مواقع التواصل بمصيرها، وعبّر الجميع عن خوفهم على حياة الصبيّة، سيما بعد ورود أنباء عن حرج وضعها الصحي، وأنها تواجه خطر الموت جرّاء إضرابها الطويل عن الطعام، ودان معارضون بأشد العبارات ما اعتبروه تقاعسا من الدولة الأردنية بشأنها. وما أن أعلن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن هبة ورفيقها في الأسر، عبد الرحمن مرعي، في طريقهما حرّين إلى عمّان، حتى اختفت النبرة الثورية المندّدة، وحلّت مكانها لهجة متشكّكة مستريبة، لم تكتف بالتقليل من المنجز الرسمي الأردني هذا، بل وصل الأمر بأصحابها إلى التطاول على الأسيرة المحرّرة التي يبدو أنهم كانوا يفضلونها شهيدة. انقضّوا على صفحتها على مواقع التواصل نبشا عن فضيحة ما. وأعلن بعضهم، معبرا عن نَفَسٍ إقليمي بغيض، أن البنت من أصول فلسطينية. وقال أحدهم إن صفحتها تخلو مما يشير إلى الولاء للأردن، علما أن هذا (الأحدهم) بالذات يكرّس كل وقته الافتراضي في هجاء البلد، حكومة وشعبا.. ما علينا! 
ليس هنا مكمن المأزق الحقيقي، بل اتضح لهؤلاء المتصيّدين أن هبة مهووسة بأمين عام حزب الله، حسن نصر الله، وتراه المخلّص والمحرّر والحل الأوحد لمصائب الأمة، ولا تجد أي مشكلة في مواقفه المناصرة للاستبداد. وحيث إن نصر الله وحلفاءه من الجوار لا يحظون بشعبيةٍ واسعةٍ في الأردن، تعرّضت هبة للتخوين والإدانة، من باب اصطفافها خلف من يراه كثيرون هنا، في الأردن، حلفا شيطانيا غاشما ومتواطئا مع المحتلين، الأميركي والروسي والإيراني في سورية. وعلى الجهة الثانية من الشارع الأردني الذي اعتاد الانقسام عند حدوث أصغر مشكلة، هناك من سعى إلى ركوب الموجة النضالية العابرة، وتحويل الصبيّة الجميلة البسيطة غير المسيّسة إلى رمز نضالي ثوري، وأسطورة بطولية لا تقل أهميةً عن دلال المغربي، مع أن هبة لم تدخل الأرض المحتلة متسللة، مدجّجة بالأسلحة من أجل تنفيذ عملية استشهادية مثلا، بل كانت متوجهة إلى فلسطين المحتلة لحضور حفل زفاف، حين أوقفتها قوات الاحتلال الصهيوني إدارياً، وهذا سلوك عدواني معتاد يتعرّض له كثيرون من زائري فلسطين. أما ما يضع العقل بالكفّ فهو أن بعض المحتفلين بهبة في طريقها إلى جسر العودة الأسير الخاضع لهيمنة الاحتلال، وهم من اليسار المتشدّد المؤمن بولاية الفقيه، هم أنفسهم من يعتبرون زيارة فلسطين بتصريحٍ من السلطة الوطنية تطبيعا بيّنا لا لبس فيه! ويسمحون لأنفسهم بالتشكيك في وطنية كل من يزور فلسطين، على الرغم من أن بعضهم، للمفارقة الأشد عجبا من أشد مهاجمي اتفاق أوسلو، حصل على رقم وطني فلسطيني، يتيح له زيارة البلاد متى رغب، بموجب هذا الاتفاق تحديدا، ويواصلون من دون خجل مزاودة فجّة مكشوفة للجميع.
لهبة اللبدي أن تنتمي فكريا لمن تشاء. وحدها تتحمل المسؤولية الأخلاقية لاصطفافها. ولكن ليس لأحد أن يعمل على تشويه صورتها، والتقليل من مرارة تجربة الأسْر الشاقة التي عاشتها، ومن شجاعتها في التصميم على المضي في الإضراب حتى نيل الحرية. هي مواطنة أردنية تتمتع، وفقا للدستور، بحرية الاعتقاد، ولها مطلق الحق في التعبير عن مواقفها. ومن واجبنا جميعا، على الرغم من الاختلاف معها، إدانة اعتقالها التعسّفي تحت أي عنوان، وأن نفرح من دون مبالغات استعراضية تنفيسية كونها نالت حريتها أخيرا. وأن نطالب دولتنا بأن تواصل سعيها، بكل السبل المتاحة، لتحرير بقية الأسرى الأردنيين القابعين منذ سنوات في عتمة سجون الاحتلال، بعيدا عن مرمى الكاميرات والأضواء الساطعة.

دلالات

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.