إثيوبيا تبني السد وأميركا تُهندس

إثيوبيا تبني السد وأميركا تُهندس

11 نوفمبر 2019
+ الخط -
ماذا تنتظر القاهرة من واشنطن في أزمة سد النهضة؟ ظل هذا السؤال ملحّاً قبل انطلاق اجتماعات واشنطن التي استضافتها الولايات المتحدة بين أطراف مشكلة السد الإثيوبي، الأربعاء الماضي. وتناولت مقالة الكاتب، الأسبوع الماضي، بعضاً من دواعي التشاؤم تجاه أي دور أميركي إيجابي نحو مصر في تلك الأزمة. ثم جاءت نتائج اللقاء، لا لتؤكد وحسب أن التشاؤم كان مبرّراً، بل لتضيف أيضاً علامات استفهام كبيرة بشأن الرؤية، أو بالأصح العقلية التي تدير بها مصر هذا الملف الأزمة. 
بداية، ما جرى في واشنطن لم يكن "وساطة" بالمعنى الاصطلاحي للمفهوم، وإنما مجرّد مشاورات غير ملزمة "منزوعة الدسم". وكان هذا أحد شروط قبول أديس أبابا المشاركة فيها. وهو ما انعكس أيضاً في الاتفاق على مشاركة واشنطن والبنك الدولي في اللقاءات المقبلة بصفة "مراقب" ليس أكثر. وهنا يبرز التساؤل بشأن دور البنك وصلاحياته وحيثية وجوده، وهو فقط مجرد ضيف مراقب.
وعلى الرغم من أن ذلك يعد نجاحاً لمصر في استدراج إثيوبيا إلى أن تقبل تدخّل طرف رابع في الأزمة، إلا أن هذا بدوره يجدد التساؤل بشأن سبب وجود قيود من الأساس على استدعاء أي طرف رابع. فقد قبلت مصر، من دون مبرّر واضح، الاقتصار على آلية وحيدة لحل أي خلافات، هي التفاوض. بل وضرورة موافقة الأطراف المختلفة نفسها بالإجماع، قبل اللجوء إلى طرف آخر، سواء دول أو منظمات دولية، للوساطة السياسية أو للاستشارة الفنية، فضلاً عن الفصل في الخلافات قانونياً.
وفقاً للبيان المشترك الصادر بعد مباحثات واشنطن، اتفقت الأطراف على عقد أربعة لقاءات خلال الشهرين المقبلين، لبحث الأمور الفنية الخاصة بملء السد وتشغيله. على أمل الانتهاء من صياغة "اتفاقية شاملة وتعاونية ومرنة ومستدامة ومشتركة النفع لملء سد النهضة الإثيوبي العظيم وتشغيله"، وفقاً لإعلان المبادئ الموقّع عام 2015. وحال الإخفاق في ذلك، يتم اللجوء إلى المادة 10 من الإعلان، أنه ما لم يتم التوصل إلى حل للخلافات "من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/ رئيس الحكومة".
معنى ذلك، أن مباحثات واشنطن كرّست "إعلان المبادئ" مرجعية أولى ووحيدة، وهو أمر شديد الخطورة، وله تداعيات عميقة على المستويات كافة، قانونياً وفنياً، وبالضرورة سياسياً. ليس فقط فيما يتعلق بسد النهضة، لكن أيضاً بكل الجوانب المرتبطة بأوضاع المياه وترتيباتها بين دول حوض النيل.
وفي شأن السد نفسه، تتلخص نتائج الاستعانة المصرية بالولايات المتحدة الأميركية، في استئناف التفاوض مجدداً عشرة أسابيع، لا يتوقف بناء السد خلالها. ثم يُحال الملف في نهايتها إلى القادة، إما للتوقيع على اتفاق أو للنظر في كيفية حل الخلافات. وما من إشارة واحدة إلى دور فعلي لواشنطن والبنك الدولي سوى الاستضافة والمتابعة، أي مشاهدة لا مشاركة.
يمكن فهم و"منطَقَة" ضآلة نتائج الدخول الأميركي على خط الأزمة بإلحاح مصري. ولكن غير المفهوم هو ذلك الاحتفاء المصري بلقاء واشنطن، والتعامل مع نتائجه الخطيرة كما لو كان إنجازاً ينبغي استثماره، بينما هي مجرّد اجترار للصيغة التفاوضية العقيمة نفسها، ولكن بنكهة أميركية.
وكان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مثيراً للدهشة، وهو يعتبر تلك المحصلة الهزيلة للقاء واشنطن بمثابة "خريطة طريق" لإنهاء الخلاف حول سد النهضة. يبدو أن الدبلوماسية المصرية غاصت في الجمود وقِصَر النظر، حد الاستدراج إلى خوض الجولات التفاوضية نفسها مع اختلاف المواعيد من دون المضامين. بل وقبول حسم أي خلافات مستقبلية، عبر الآلية الوهمية نفسها المقررة لحل الخلافات الحالية. ثم تطلق القاهرة على هذه الدائرة الجهنمية الفارغة من أي مضمون "خريطة طريق".
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.