هل تطيح "أوكرانيا غيت" ترامب؟

هل تطيح "أوكرانيا غيت" ترامب؟

07 أكتوبر 2019
+ الخط -
تعدّدت الأزمات والمآزق والفضائح التي عصفت بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2017، ولكنه هذه المرة، يجد نفسه في مأزق كبير، قد يطيحه وإدارته الجمهورية، على خلفية "أوكرانيا غيت"، الفضيحة التي دفعت الديمقراطيين في مجلس النواب للشروع بإجراءات عزله، بعد أن أجبروا البيت الأبيض على كشف المستور في المكالمة الهاتفية لترامب مع الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلنسكي، في 25 يوليو/ تموز الماضي، واتُهم فيها ترامب بأنه طلب من زيلنسكي إجراء تحقيق قضائي، بخصوص هانتر بايدن نجل جو بايدن، المرشح الديمقراطي، والمنافس المحتمل لترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية المزمع إجراؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
وكالعادة في مثل هذه المآزق والفضائح، أنكر ترامب الاتهام، واعتبره خبراً زائفاً، ومحاولة بائسة من خصومه في الحزب الديمقراطي، ثم تستر على الفضيحة، ولكن ما تسرّب من نص المكالمة يشي بأن ترامب لجأ فيها إلى أسلوب المقايضة الذي يُذكر بأساليب المافيا والعصابات والفاسدين، وذلك بربطه الإفراج عن المساعدات الأميركية لأوكرانيا بطلب شخصي له، حين قال لزيلنسكي: "أريد منك أن تقدّم لنا معروفاً بالنظر إلى أنّ بلدنا مرّ بالكثير"، ثم حددّ طلبه بتقديم أوكرانيا طلباً إلى وزارة العدل الأميركية، بغية فتح تحقيق بخصوص علاقة هانتر بايدن بشركةٍ أوكرانية للطاقة، كان هانتر أحد مستشاريها في فترة تولي والده منصب نائب الرئيس، إبّان عهد الرئيس باراك أوباما بين 2009 و2017. وهو ما اعتبره الديمقراطيون في مجلس النواب استعانةً بحكومة أجنبية، بغية تحقيق مصلحة شخصية لترامب على حساب المصلحة 
الوطنية الأميركية، ويمثل ذلك انتهاكاً للدستور الأميركي.
إذاً، تنطوي فضحية "أوكرانيا غيت" على انتهاك للقانون الأميركي، وما زاد الطين بلّة، كما يُقال، تكليف ترامب محاميه الشخصي، أدولف جولياني، والذي لا يتمتع بأي صفة رسمية أو حكومية، مباشرة التحقيق تحت إمرة وزير العدل الأميركي، ما يعني اكتمال صفقةٍ سياسيةٍ فاسدة، رتبها ترامب، كي تعبّد طريقه إلى انتخابات الرئاسة باتجاه انتخابات 2020، لكنها قد تطيحه قبل الوصول إليها. ولعل مجرد تلويح ترامب، ولو ضمنياً، بتجميد المساعدات التي أقرّها الكونغرس بمبلغ 391 مليون دولار لأوكرانيا، ينطوي على استخدامه أسلوب ضغط على الرئيس الأوكراني زيلنسكي، وابتزازه. وهو ما اعتبره مشرّعون أميركيون دليلاً على إساءة ترامب استغلال منصبه، من خلال محاولته حمل أوكرانيا على التدخل لصالحه في الانتخابات المقبلة. وتدخل ضمن هذا السياق، أيضاً، محاولة البيت الأبيض التستر على هذا السلوك، الأمر الذي أدّى إلى تحرّك الديمقراطيين في مجلس النواب، وارتباك خصومهم الجمهوريين الذين زاد منسوب قلقهم من أزمات ترامب وأخطائه وعثراته، ومن كيفية تعامله مع الأنظمة والقوانين، وخصوصاً التي تهم قضايا الأمن القومي، وتضعه في دائرة الخطر.
الجهة الوحيدة التي يمكنها إقالة رئيس الولايات المتحدة هي الكونغرس، عندما يثبت عليه ارتكاب مخالفاتٍ قانونية كبيرة، بينما يمتلك مجلس النواب ممكنات البدء بإجراءات عزل 
الرئيس. ولذلك على خصومه الديمقراطيين في مجلس النواب بناء قضيةٍ متماسكةٍ جيداً، تقنع الرأي العام الأميركي، وقادرة على تغيير موقف الجمهوريين، ففي حالة ترامب، سيعمل الكونغرس دور هيئة المحلفين والقضاة أيضاً، ويمتلك القرار الحاسم والنهائي في الموافقة على الإقالة أو رفضها. وهذا يعني أن إجراءات عزل ترامب لن تكتمل إلا عند موافقة 66 عضواً في الكونغرس، الذي يتمتع فيه الجمهوريين بأغلبية 53 عضواً مقابل 47 للديمقراطيين.
ويستبعد الجمهوريون إمكانية عزل ترامب، بالاستناد إلى فشل أربع محاولات لعزل رؤساء أميركيين قبل ذلك، أولاها في عام 1840 ضد الرئيس جون تايلور، وانتهت سريعاً إلى الفشل، بسبب تحول الأغلبية لصالح الرئيس في مجلس الشيوخ، وثانيها ضد الرئيس أندرو جونسون عام 1868، أوقفها مجلس الشيوخ، ورفعت ضده على خلفية إقالته وزير الدفاع إيدموند سانتون، والذي كانت له شعبية كبيرة في ذلك الوقت. وثالث المحاولات ضد الرئيس ريتشارد نيكسون، رفعت ضد على خلفية فضيحة ووترغيت (التجسس على الحزب الديمقراطي) عام 1973، وكانت في طريقها إلى عزل الرئيس، لكن نيكسون قدم استقالته 
استباقياً، عندما أيقن إمكانية عزله. ورابع المحاولات، رفعت ضد الرئيس بيل كلينتون في 1998، على خلفية اتهامه بالتورّط في علاقة جنسية مع المتدربة في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي، ولجوئه إلى الكذب بخصوص هذه العلاقة، لكن المحاولة أفشلها أيضاً مجلس الشيوخ.
وعلى خلفية ما سبق، إضافة إلى أن ترامب مغرور بنفسه، ويدّعي أنه ذكي جداً ولا ينهزم، ويجيد كثيراً فن الاستعراض والتحدّي والصفقات والمراوغات السياسية، ويرجع تمكّنه من الاستمرار في الحكم إلى ذلك كله، على الرغم من كل الفضائح والهزات والأزمات السابقة، التي بدأت مع الكلام الإباحي في شريط، عرف باسم "أكسيس هوليوود"، والاستنكار الذي لاقاه بسبب تبريره سلوك العنصريين البيض في مدينة تشارلوتسفيل، وصولاً إلى الدعوى القضائية ضده من الممثلة الإباحية، سترومي دانييلز، وليس انتهاء بتحقيق المحقق الفيدرالي روبرت مولر، على خلفية التدخل الروسي في انتخابات 2016 لصالحه، إضافة إلى ما أثارته تغريداته العنصرية بحق المشرّعات التقدميات الأربع، وأزمات وهزّات أخرى، طاولت مختلف أركان رئاسته، لكنه بقي متماسكاً، وبالتالي، يصير السؤال، في ظل بدء الديمقراطيين الشروع بإجراءات العزل: هل ستطيح "أوكرانيا غيت" ترامب هذه المرة؟
5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".