مصير نتنياهو الغائم جداً

مصير نتنياهو الغائم جداً

06 أكتوبر 2019
+ الخط -
حقق بنيامين نتنياهو رقماً قياسياً في الجلوس على كرسي رئاسة وزراء إسرائيل، بتجاوزه الفترة التي قضاها أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن غوريون، على الكرسي نفسه.. يتشابه الاثنان في بقائهما فترة طويلة في الحكم على دفعتين، ويتشاركان أيضاً في أصولهما البولندية، ولهما مشتركٌ سياسيٌّ لافت، وهو عداؤهما الشديد للعرب. وقد حاول بن غوريون إفراغ المساحة التي سيطرت عليها المليشيات الصهيونية في حرب 48 من العرب، ويحاول نتنياهو تذويب الجزر السكانية العربية العائمة وسط طوفانٍ يهودي في الضفة الغربية بمزيد من الاستيطان. ولكنّ الانتماء الفكري لكل من الرجلين يبدو شديد التباعد، ففي حين شيّد بن غوريون، وتزعم حزباً عمالياً ذا شكل يساري واضح يدعى مباي، استطاع عبره حيازة رضا الاتحاد السوفييتي فترات طويلة، تبنّى نتنياهو فكراً يمينياً متطرّفاً يحظى بدعم أميركي، خصوصاً من إدارة دونالد ترامب، مهندس صفقة القرن الذي حاول تسويقها لدعم نتنياهو بحلٍّ يصب في صالح الدولة العبرية، فضلاً عن مجموعة خطواتٍ جاءت في صالح خطه السياسي في سبيل إعادة انتخابه مرة بعد مرة. ولكن عند النقطة التي تجاوز فيها نتنياهو زميله بن غوريون ببضعة أيام في رئاسة الوزراء، أصبح مصيره غامضاً، وتهم الفساد وعداوات من اليمين واليسار تجمعت ضده، ويبدو أنه بدأ بالترنّح، ولم يستفد كثيراً من طروحاته الانتخابية ذات الطبيعة الشعبوية، فقد خسر حزبه ثلاثة مقاعد من مجموع ما كان لديه في الانتخابات السابقة، وهو يقبع خلف "أبيض أزرق"، بقيادة بيني غانتس الذي يفغر شدقيه محاولاً ابتلاع نتنياهو شخصياً، ومن ثم السيطرة على الحكومة، وفيما يحظى نتنياهو بقبول 56 نائباً يحظى منافسه غانتس بقبول 55، ولكن كليهما غير قادر على تشكيل حكومة بهذه النتيجة. 
لم يعد اليوم لحزب مباي (حزب بن غوريون) وجود، فقد ذاب بفعل الزمن داخل حزب العمل، وكان بن غوريون نفسه قد تركه، وأسس حزباً آخر باسم رافي، برفقة شمعون بيريز. وجاء خروج بن غوريون من "مباي" بعد تصويت داخلي، كانت نتيجته في غير صالح بن غوريون، فغادر حزبه ليخوض الانتخابات التالية تحت راية "رافي"، ولكن الناخب خذله، ولم يعطه أكثر من عشرة مقاعد، وضاعت شخصية الحزب الجديد تحت راية حزب العمل أيضاً، وغادر بن غوريون الحياة السياسية، بعد أن أسقطه الجمهور. جمهور اليوم لم يسقط نتنياهو بعد، فمشرط القانون أقرب إلى عنقه من مقصلة الانتخابات، ولكن الخروج يبدو قريباً، وهناك إصرارٌ شديدٌ من قادة الكتل النيابية المنافسة على إقصائه، وهم يردّدون أنهم يريدون رئيس وزراء مشغولا بإدارة الحكومة، وليس مهموماً بجلسات المحكمة. وقد يجعل هذا الطرح أعضاء "الليكود" الذين يعملون تحت قيادة نتنياهو يعيدون النظر في وضعه رئيساً للحزب. ولكن إذا أصرّت كل الأطراف على مواقفها يبقى سيناريو وحيد، وهو إعادة الانتخابات للمرة الثالثة، على أمل أن تفرز النتائج مخرجاً بإحجام الجمهور الانتخابي عن إعطاء أصوات كافية لحزب نتنياهو، وعندها سيقف نتنياهو وحيداً بين أيدي المتربّصين به على شكل قضاة ومحامين وتهم بالفساد، وسيكون سقوطه بالضربة القاضية.
كانت نهاية بن غوريون منزوياً في قريةٍ بعيدةٍ حتى آخر عمره. الرجل الذي اعتبر نفسه مهندس دولة إسرائيل وجد نفسه بلا غطاء حزبي، ولا غطاء جماهيري، وخارج حكومة الدولة "التي صنعها". أما نتنياهو وهو يواجه شبح الخروج، فلن يجد إلا السجن مأوى له. وستشهد دولة بن غوريون في حالة هذا السيناريو تحطيم رقم قياسي، حيث سيكون عمر الكنيست (البرلمان) الحالي أقصر عمر للكنيست. ويمكن أن تطلق هذه الحالة جدلاً واسعاً بشأن النظام السياسي الإسرائيلي برمّته، فدعوة الجمهور إلى انتخاب نوابه ثلاث مرات في عام واحد تعكس تشتتاً وتشرذماً عميقاً يحتاج بالتأكيد إلى إعادة نظر.