بن سلمان وشبح خاشقجي في واشنطن

بن سلمان وشبح خاشقجي في واشنطن

05 أكتوبر 2019
+ الخط -
لعلّ المتابع للتصريحات الأميركية في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، يدرك أنّ ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، الذي كان يعوّل على الذاكرة القصيرة لدى الأميركيين، قد خسر الرهان، فالصورة التي رسمها الخطاب السياسي والإعلامي الأميركي لولي العهد تليق بقاتل متهور ومندفع، وحاكم مستبد لا يمكن الوثوق به. وهو استبق الحدث بالظهور مجدّدا في برنامج "ستون دقيقة"، على شبكة سي بي إس الأميركية، حيث حاول، من دون جدوى، تبرئة نفسه أمام الرأي العام الأميركي، من خلال دغدغة الحس الليبرالي لدى الأميركيين: إنكار تورّطه في عملية الاغتيال وتحمّله المسؤولية باعتباره زعيم البلاد.
لم تسعف المقابلة بن سلمان كثيرا، فقد تبلور في واشنطن أخيرا إجماع بين الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، بأنّ ولي العهد السعودي بات يشكّل عبئا ثقيلا على واشنطن. وبرز هذا التصور لدى السيناتور الجمهوري، تود يانغ، الذي زار المملكة أخيرا، والتقى بن سلمان، كي يخرج بتصريح مفاده بأنّ "السعودية شريك استراتيجي مهم، لكنّ ذلك لا يعني الدفاع عنها بأيّ ثمن".
أما الديمقراطيون فيرفضون حتى فكرة اللقاء بالأمير السعودي، فقد علقت زعيمة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، على زيارة نظيرها الجمهوري إلى السعودية بقولها "مجرد الجلوس مع مجرم قطع رأس صحافي وأذاب جثته بالكيماويات يفتقر إلى أدنى حسّ بالمسؤولية". ويطالب الديمقراطيون في مجلس النواب حاليا بالكشف عن مضمون المحادثات الهاتفية بين الرئيس دونالد ترامب ومحمد بن سلمان، والتي من شأنها أن تساهم في تفسير دواعي سكوت إدارة ترامب على مقتل خاشقجي.
وتتعالى أصواتٌ في مجلس الشيوخ بتحمّل بن سلمان مسؤولية الجريمة الشنيعة، سيما على خلفية تقارير صادرة عن المخابرات المركزية الأميركية، مفادها بأنّ قتل خاشقجي جاء بأوامر من ولي العهد السعودي. وبتعبير السيناتور الجمهوري بوب كروكر: "إذا مثل ولي العهد السعودي أمام هيئة محلفين سيدان خلال نصف ساعة".
ولا يتوقف الأمر عند اغتيال خاشقجي، بل تتعالى في واشنطن أصوات معارضة لحرب السعودية في اليمن، وتنادي بوقف كل أشكال الدعم العسكري الأميركي للمملكة، سيما لدى مرشحين ديمقراطيين بارزين، مثل بيرني ساندرز الذي كان قد وصف اغتيال خاشقجي بأنه "نقطة فاصلة كبيرة تستدعي تغيير السياسات الأميركية تجاه السعودية بصورة عامة"، مضيفا إنّ "الوضع تغير تماما ولم تعد أميركا بحاجة إلى التعاون مع نظم قمعية".
وعلى الرغم من مبادرات بن سلمان مغازلة الأميركيين اقتصاديا، مثل فتح باب السياحة، والتنوع الاقتصادي 
وطرح أسهم شركة آرامكو في السوق الأميركية، يبدو أنّ "رؤية 2030" السعودية لم تمارس سحرها على الساسة الأميركيين. كما لم تسعف الأمير الشاب كلّ مبيعات السلاح الأميركية للسعودية، ولا تعهده بشراء أسلحة أميركية بقيمة 110 مليارات دولار، تماشيا مع مقولة ترامب "إنّ السعودية لا تملك شيئا آخر غير المال"، فلا يكتفي مجلس الشيوخ برفض مغازلات الأمير السعودي، بل دأب على اتخاذ إجراءاتٍ لإنهاء حرب اليمن وحظر بيع الأسلحة للمملكة، كما أصدر مشروع قرار يوصي بسحب القوات الأميركية المشاركة في القتال في اليمن.
قريبا جدا، سيجد محمد بن سلمان نفسه من دون حليف أو صديق في واشنطن، ولا سيما في خضم المحاولات الجارية لعزل الرئيس دونالد ترامب، حليفه الوحيد ونصيره في البيت الأبيض. وبغض النظر عن مصير ترامب، يبدو أن جريمة اغتيال خاشقجي ستتحول إلى ذكرى سنوية دائمة في واشنطن، تذكيرا لبن سلمان بأنّ ذاكرة الأميركيين ربما تكون قصيرة، لكنها تبقى أطول من ذاكرته.
192E8B91-FB46-4E2D-A022-5A6A76896F44
192E8B91-FB46-4E2D-A022-5A6A76896F44
سراج عاصي

أكاديمي فلسطيني زائر في جامعة جورج تاون في واشنطن، ومحاضر في دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في واشنطن. صدر له حديثا بالانجليزية كتاب تاريخ وسياسات البدو: إعادة تخيل البداوة في فلسطين الحديثة.

سراج عاصي