في تردّدات "بريكست" عربياً

في تردّدات "بريكست" عربياً

26 أكتوبر 2019
+ الخط -
مع اقتراب الموعد المعلن لتنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، تزداد حدة الجدل القائم داخل البرلمانين، البريطاني والأوروبي، وكذلك داخل المجتمع البريطاني بشكل عام، فبعد أن وُضع القرار، منذ أيام، بيد الاتحاد الأوروبي للموافقة على تمديد مهلة ما قبل الانسحاب، وتصاعد الجدل في أروقة الاتحاد بشأن طول تلك المدة، وهو ما سيؤثر على موافقة البرلمان البريطاني عليها أيضاً، تضخمت المخاوف من تنفيذ "بريكست" من دون اتفاق، وهو ما ستترتب عليه مشكلات كثيرة لكلا الطرفين، لكنه قد يحمّل البريطانيين صعوبات هائلة قد لا تُحل في سنوات.
لن تنعكس آثار "بريكست" على بريطانيا والاتحاد الأوروبي وحدهما، وإنما ستطاول حتماً دولا عديدة، منها الدول العربية، بسبب الاستثمارات المتبادلة بينها وبين بريطانيا، وكذلك المواقف السياسية التي قد تأخذ منحى مختلفاً تماماً عما هي عليه الآن.
ربما تكون القضية الفلسطينية هي الأكثر تأثراً بحدوث "بريكست"، حيث كانت بريطانيا، كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ملزمةً بشكل ما بكل اتفاقياته، لكنها، منذ لحظة خروجها ستكسر هذا الالتزام، ما قد يعني تغييراً كاملاً في موقفها من السلطة الوطنية الفلسطينية التي يُعتبر الاتحاد الأوروبي "شريكاً تجارياً ومانحاً رئيسياً" لها، بينما قد تفضّل المملكة المتحدة علاقتها الجيدة مع حلفائها الاستراتيجيين (إسرائيل وأميركا)، وهو ما قد ينعكس سلبا على الوضع السياسي الفلسطيني.
يتوقع محللون أوروبيون أن المملكة المتحدة ستحافظ على ارتباطها بالولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما قد يجعلها، وقد أصبحت مستقلة في قراراتها عن الاتحاد الأوروبي، تلعب دوراً مختلفاً في منطقة الشرق الأوسط من خلال تحالفات جديدة بدأت تُعلن منذ فترة قريبة، وخصوصا التي تتعلق بمسائل اتفاقات الدفاع المشترك.
من ناحية أخرى، قد تتغير شراكات اقتصادية عربية بريطانية، لتأخذ أشكالاً جديدة تؤثّر على الطرفين، فمن المتوقع أن تصبح لندن، ربما مؤقتا، بيئة اقتصادية مضطربة بعد تطبيق 
"بريكست"، وهو ما قد يؤدي إلى انسحاب بعض الاستثمارات الكبيرة منها. وبالطبع قد تكون الاستثمارات الخليجية الضخمة في بريطانيا جزءاً مهماً من هذا الانسحاب، خصوصا في المراحل الأولى، على الرغم من سعي بريطانيا إلى الحفاظ على الاستثمارات الخليجية والعلاقات الاقتصادية الجيدة مع بعض الدول والمدن، مثل دبي، والتي تعول بريطانيا عليها بعد "بريكست".
وقد تكون مصر المستفيد الأكبر من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فبحسب تقارير اقتصادية، تُعدّ بريطانيا "أكبر مستثمر غير عربي في مصر"، خصوصا في قطاعات الغاز والطاقة، وثالث شريك تجاري بعد الصين وإيطاليا. وهو ما سيشجع بريطانيا على تعزيز تلك الاستثمارات بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وإنشائها علاقات خاصة ومستقلة مع الدول خارج هذا الاتحاد.
وفي إطار مشابه، قد يدخل زيت الزيتون التونسي ضمن صفقات تجارية مع المملكة المتحدة مختلفة عن سابقاتها، حيث كانت الدول الأوروبية المنتجة لزيت الزيتون تشكّل منافسين أقوياء لتونس في هذا المجال ضمن الاتحاد الأوروبي، وتمنع إلى حد كبير دخول تونس إلى السوق الأوروبية. ومع خروجها من الاتحاد، ستصبح بريطانيا قادرة على إبرام صفقات تجارية خاصة مع تونس، من دون المعوقات التي كان الاتحاد يضعها.
قد يحمل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي معه كذلك اختلافاً كبيراً في طريقة تعامل بريطانيا مع شؤون دول أفريقيا وحوض المتوسط، ليرتفع تركيزها على قضاياها الداخلية، وكذلك على التشديد في الحد من الهجرة غير الشرعية وموضوع اللاجئين، مع انخفاض متوقّع لدور بريطانيا في قضايا المنطقة العربية، مثل سورية واليمن.
على الرغم من أن سياسات بريطانيا تجاه القضايا المختلفة كانت أميل إلى التمايز عن سياسات الاتحاد الأوروبي، حتى قبل "بريكست"، إلا أن خروج بريطانيا من الاتحاد يعد أكبر تحوّل سياسي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وتبعاته ستمتد أبعد من أوروبا ذاتها، وقد تشكل اهتزازاً ملحوظاً ليس في أوروبا وبريطانيا فحسب، بل في دول عربية كثيرة يمسّها هذا التحول سلباً أو إيجاباً وبنسب متفاوتة.
avata
avata
ميساء شقير
ميساء شقير