كم "راجح" لم يسّتل سكينه بعد؟

كم "راجح" لم يسّتل سكينه بعد؟

24 أكتوبر 2019
+ الخط -
راجح القاتل ابن تلا ليس مجرّد فرد، ولكنه حالة اجتماعية آخذة في التزايد عند أبناء الطبقة المتوسطة المستريحة للأسف. حالة تساعدها الدولة الهشّة والنظام المشغول بنفسه طول الوقت. حالة لم يخرجها الممثل محمد رمضان فقط من مكامنها، ولكن أخرجتها رؤوس الأموال التي تحت أيدي العيال والأمهات اللائي أشبعن ذئابهن تدليلاً. 
عيال من أبناء المستورين أو الباحثين عن الستر والشهرة والاستعراض، وإثبات الذات بأي شكل وطريقة، حالة ملتبسة بالمباهاة بالجد، اللواء، أو المراكز الحساسة أو العائلة كثيرة الضباط والقضاة.
حالة بدأت تطفو على السطح، بعدما صار محمد رمضان يخرج على الناس بسيوفه وسكاكينه عارياً، إلا من القليل والعضلات المنتفخة بجوار سياراته أو طائرة، حالها بدأت بشائرها حينما أفرج عبد الفتاح السيسي عن شخصٍ، يشبّه المصريون صحته بـ"بغل أسترالي"، اسمه صبري نخنوخ، من حكم بالمؤبد بعفو صحّي، حالة تشبه كثيرا أيضا الولد ابن الناس المستورة، ولكنه يبحث عن الآثار، لأن له "ظهراً"، أو يهرّب مهاجرين غير شرعيين، أو يهرّب حشيشا تحت ستار المنصب المرموق ومزارعه الواسعة وبنادقة أيضاً.
مثل حالة الموظف الباحث عن الثراء السريع، ويقتل صديقه في مكتب هندسة المحليات بالمطواة في وضح النهار، لأن صديقه في المكتب "قفّل" عليه في نصف مليون كرشوة كان سيأخذها مقابل بناء برج سكني.
حالات "غشم اجتماعي"، تدعمها برامج ريهام سعيد عن طريق الجان والعفاريت في المدن العشوائية المليئة بالهوس والمخدّرات والبحث عن أي بابٍ للأمل، ولو بالقتل أو طريق الجان أو البحث أسفل الجدران القديمة عن طريق يوصله إلى "عروس"، كي يبيعها بالملايين.
حالات تشبه ذلك الشاب الذي ذبح زوجته الشابة بالسكين في مدينة 15 مايو، وألقى طفله من الدور الخامس. وحينما سئل: لماذا فعلت ذلك؟ أجاب إن العفاريت كانت ستتولى قتلهما عن طريق أشرار لا يحبونه، فأراد أن يقطع على الاثنين الطريق، ويفعل ذلك بنفسه.
تصدّعات في بنية العقل والتفكير، ولمّ لا والرئيس نفسه قد ذكر "أن الرئيس السادات قد جاءه في الحلم وأعطاه سيفا، وقد كتب عليه بالأحمر لا إله إلا الله محمد رسول الله".
حالة راجح نجدها بكثرة في الأحياء الشعبية الفقيرة، المكتظة بالناس والفقر والبؤس. ولكن تكون لسببٍ ما، كأن ينشر خطيبٌ سابق لخطيبته صورها العارية على وسائل التواصل. أما حالة راجح فلم يكن هناك أي جرحٍ يسبب للقاتل كل هذا العنف، إلا أن يكون السبب هو أن جده لواء، وقد قام الراجح نفسه باعتداءاتٍ أخرى على آخرين، وتم قبرها بالتصالح تحت ضغوط. وكان من الممكن أن يتم ذلك لولا موت التلميذ المقتول محمود البنا، والمحبوب من أصدقائه. هنا تحرّك أصدقاء محمود البنا في شكل جماهيري، لأنهم أحسّوا أن كل من معه فلوس وجده لواء، يستطيع أن يقتل أحدهم أيضا مثلما فعل القاتل راجح، وانتصاراً لفكرة الخير نفسها ضد الشر، وأصدقاء محمود من المراهقين الذين تسود تفكير أغلبهم نصرة المظلوم.
هبة للذات ولدفع الظلم والإحساس بالمهانة الجماعية أمام سطوتي المال والسلطة. هنا أحس النظام، "بغشم"، وكأن الجماهير "جماهير محمود البنا القتيل"، وكأنها تقول للنظام: "كفى"، فاعتقل منهم عشرات بذريعة تأمين الوضع.
يمثل راجح، في عيون المراهقين، "النظام" وبغيه. ويمثل محمود، بأخلاقه، لدى المراهقين، "الخير المغلوب دائما". محمود وأصحابه يمثلون الشعب المكلوم، والقاتل يمثل ظل السلطة في أبناء الأكابر.
لعلّ ذلك هو الذي حرّك السلطة إلى احتواء الوضع، والقبض على الجناة، قبل أن يتّسع الصدع، صدع كامن منذ سنوات ست في بنية السلطة نفسها، وقضاتها وضباطها وإعلامها، من جانب، والشعب الأعزل من أي شيء، على الجانب الآخر.
صدع لا تطاوله العدالة، وإن طاولته في ساعةٍ يخرج صاحبه بعفو صحي، كهشام طلعت مصطفى أو صبري نخنوخ.

دلالات