من لا يخاف ترامب؟

من لا يخاف ترامب؟

22 أكتوبر 2019
+ الخط -
ليس من شكٍّ في أن هناك دولاً وقوى وجماعات عديدة تناهض مواقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتخشى، في الوقت ذاته، إثارة غضبه، وأن كثيرين من هنا وهناك يتحاشون الاصطدام به، بل ويتجنّبون شر عقوباته التجارية والمالية، ليس لكونه رئيس أقوى قوة عسكرية واقتصادية ومالية في العالم فقط، ولا لأنه القائد الأعلى لجيوش الدولة العظمى الوحيدة فحسب، وإنما لما يتّسم به الرجل البرتقالي من تهوّر، وما يطبع سلوكه من تقلّب، وما يغلب على قراراته من ارتجال، الأمر الذي يمكن الاستنتاج معه، بسهولة، أن أعداء الولايات المتحدة وخصومها يتجنبون الاصطدام به ما أمكنهم ذلك، ويخشون التناطح معه سراً وجهراً، ويمنّون أنفسهم بانقضاء سنواته الأربع في المكتب البيضاوي، بعد عامٍ ونيّف.
الجديد في الأمر أن حلفاء الولايات المتحدة وأصدقاءها التاريخيين في مشارق الأرض ومغاربها، وهم كثر، باتوا اليوم يخشون تحوّلات إدارة ترامب وتقلّباتها، كما لم يخشوها في أي وقت مضى، يتحسّبون من نزوات ساكن البيت الأبيض أشد من ذي قبل، لا سيما الحلفاء في الشرق الأوسط، ممن ظلت أميركا تُقدّم لهم الحماية، وتُؤمّن لهم الاستقرار والأمان والطمأنينة، إما لكونهم زبائن سلاح أثرياء وشركاء تجاريين مهمين، وإما لأنهم محط أطماع دول كبرى منافسة، كانت أميركا تعمل من دون هوادة على صدهم، والحؤول بكل السبل دون سيطرتهم على حقول النفط وطرق إمداده، أي التحكم بالمادة الاستراتيجية الأولى في العالم.
لن نتحدّث هنا عن مخاوف حلفاء أميركا في جنوب شرق آسيا، ولا عن ذعر شركائها التقليديين في أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولا حتى عن المؤسسة الأميركية (الدولة العميقة) المصابة بالهلع جرّاء تخبطات ترامب وقراراته المفاجئة، وإنما سنقصر الحديث على دول هذه المنطقة، بما فيها إسرائيل، ناهيك عن دول الخليج العربي التي مسّها ما يشبه الجزع، وهي ترى الانحناءات الأميركية المتكرّرة، حتى لا نقول الانكفاء المهين، أمام الاندفاعة الإيرانية المتمادية في هجماتها على ناقلات النفط، ومحطات التكرير، وخطوط النقل، والممرّات البحرية، خصوصاً في السعودية، وعلى وجه الخصوص ضد منشآت "أرامكو"، التي تزوّد الأسواق بنحو سبعة ملايين برميل يومياً.
وفيما تبدو الدول الخليجية إزاء الاستخذاء الأميركي غير المتوقع كرجل يشدّ على نواجذه، ويتجلّد بصعوبة، حتى لا يجاهر بألمه، وكي لا يزيد من التشفّي به، وبانكشاف عورة هوانه، أطلق الإسرائيليون، من جانبهم، صرخة مدوية، ليس على المستوى الرسمي الممعن في مداراته على سوء التقدير، وارتكاب خطأ الرهان كلياً على صديق إسرائيل الصدوق في واشنطن، وإنما على مستوى الصحافة والإعلام ومختلف وسائل الاتصال التي أجمع كبار كتابها، على حقيقة مفادها بأن ترامب الذي عوّل عليه بنيامين نتنياهو تماماً، قد خذل الدولة العبرية، وقطع بها الحبل، بل وخانها جهاراً نهاراً، عندما شرع بالانسحاب من شرق الفرات، وتركها من دون سند أمام مخاطر إيرانية متعاظمة.
لم تتشكل مشاعر الصدمة هذه جرّاء هجمات الحرس الثوري المتواترة على المصادر النفطية الخليجية، هذه الهجمات التي قوبلت بتسامحٍ مريب، وغض بصر غير مفهوم من إدارة ترامب، ولم تتعاظم موجة القلق لدى الحلفاء بعد إسقاط طهران طائرة تجسس أميركية ثمينة، وإنما صعدت كل هذه المشاعر بقوة، وطفت فوق السطح عالياً، جرّاء تخلي أميركا المباغت عن حليف كردي موثوق، قاتل مع الأميركيين ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بل وحارب نيابةً عن الحليف الاستراتيجي، ثم غدر به هذا الحليف على حين غرّة، وسط دهشة المؤسسة العسكرية وقادة الجيوش الأميركية، وغضب المشرّعين والإعلام والرأي العام الأميركي، فضلاً عن أعدى أعداء الولايات المتحدة.
في الوقت الذي استقبل فيه خصوم الولايات المتحدة تنازل الدولة العظمى عن مركز صدارتها العالمية، واعتبروها هديةً مجانيةً مجزية، وراحوا يفركون أيديهم بفرح غامر، وهم يراقبون بداية انكفاء أميركي، قد لا يكون طويلاً من الشرق الأوسط، كان السؤال الذي بدأ يطرح نفسه بإلحاح، وأخذ يستبد بأفئدة حلفاء أميركا وشركائها المخذولين في هذه المنطقة، وهم من كل الملل والنِحَل والأعراق من دون استثناء، هو إذا كان لدينا مثل هذا الصديق الجاهل الطائش في واشنطن، فما حاجتنا حقاً إلى أعداء قد يكونون أقل خطراً علينا؟
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي